فى فصل أول يفصل " تاريخ الكلام فى القرآن "
( ص 160 ) . فكانت أول مقالة بخلق القرآن للبنانية أو
البيانية . و تلقفتها الجعدية " فأضافت الى القول
بخلقه أن فصاحته غير معجزة ، و أن الناس يقدرون على مثلها
و على أحسن منها " . نجمت مقالة الجعد بن درهم مؤدب
مروان بن محمد ، آخر خلفاء بنى أمية ، فى دمشق فأخذها
عنه الخليفة نفسه ( ص 161 ) . و فى مطلع العهد العباسى
بلغ التطرف قمته . فكانت " الرافضة " و على
رأسهم الحكمية ، جماعة هشام بن الحكم " يزعمون ان
القرآن بدل و غير و زيد فيه و نقض منه و حرف عن مواضعه
" . " أما إنكار أشياء من القرآن نفسه ، على
أنها ليست منه ، فقد وقع لبعض الغلاة ، كالعجاردة ، الذين
ينسبون الى عبد الكريم بن عجرد ، فى أواخر المائة الأولى
. فإنهم ينكرون أن سورة يوسف من القرآن لأنها قصة ، زعموا
" ( ص 161 ) .
و ممن أنكر الاعجاز فى القرآن أيضا " الحسينية
، أصحاب الحسين بن القاسم العنانى ، الذين يزعمون أن كتبهم
و كلامهم أبلغ و أهدى و أبين من القرآن " ( ص 169
) .
" و أشدهم بعد الجعد بن درهم ، عيسى ابن صبيح المزدار
، و أصحابه المزدارية " ، " يقولون إن القرآن
غير معجز ، لا بقوة القدر ، و لا بضعف القدرة " .
" و قد زعم أن الناس قادرون على مثل القرآن فصاحة
و نظما و بلاغة " ( ص 168 – 169 ) .
و ظهرت المعتزلة فحاولوا الجمع بين قول العامة و قول
الخاصة ، فنادت النظامية " بأن الاعجاز كان بالصرفة
، و هى ان الله صرف العرب عن معارضة القرآن ، مع قدرتهم
عليها . فكان هذا الصرف خارقا للعادة . قلنا : و كأنه
من هذا القبيل هو المعجزة ، لا القرآن " ( ص 162
) .
و الجاحظ ، مؤسس الجاحظية ، كان على رأيين مختلفين .
فكان أول من ألف " نظم القرآن " لبيان إعجاز
بيانه الذى جعله فى لفظه و نظمه – و هو القول الحق الى
اليوم . لكنه تستر وراء مقالته بخلق القرآن و عدم اعجازه
بالقول المشهور عنه : " ان القرآن جسم يجوز أن يقلب
مرة رجلا و مرة حيوانا ، أو مرة رجلا و مرة أنثى "
( ص 165 ) .
و اختلف القوم حتى اليوم فى وجه الاعجاز . فنادى أهل
الاعجاز فى كتبهم على اختلاف بينهم أنه الاعجاز البيانى
، مثل الواسطى و الرمانى و الباقلانى و الجرجانى و الخطابى
و الرازى و ابن أبى الأصبع و الزلكانى ، مدة ثلاثماية
سنة ، على اختلاف فى وجه الاعجاز . |