١٥٢ معجزة القرآن

و يختم الرافعى كتابه بقوله : القرآن هو نفس الوحى ، حيث الوحى هو المعجزة ، و المعجزة هى الوحى . و ذلك تمام اعجازه . " و هذا الحديث يجمع كل ما قدمناه من القول فى اعجاز القرآن ، لأنه وحى بمعانيه و ألفاظه ، فهو بائن بنفسه من الكلام الانسانى . و لابد أن يكون فائدة للناس ليعملوا ، و صادقا على الناس كافة ليستفيدوا ، و معجزا للناس كافة ليصدقوا " ( ص 307 ) .

و فات الاستاذ الرافعى فصل ( الاتقان 1 : 44 ) " فى المنزل على النبى صلعم ثلاثة أقوال : ( أحدها ) انه اللفظ و المعنى ، و ( الثانى ) ان جبريل إنما نزل بالمعانى خاصة ، و أنه صلعم علم تلك المعانى و عبر عنها بلغة العرب ، و ( الثالث ) ان جبريل ألقى اليه المعنى و أنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب ، و أن أهل السماء يقرؤونه بالعربية " . فالتنزيل الإلهى باللفظ و المعنى قول واحد من ثلاثة . و عليه يكون لفظ القرآن و نظمه ، على قولين من ثلاثة ، إما من جبريل ، و إما من محمد نفسه . و هذا يقضى على نظرية الرافعى ان " القرآن هو نفس الوحى " ، و أنه الاعجاز المطلق .

المعنى و أنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب ، و أن أهل السماء يقرؤونه بالعربية " . فالتنزيل الإلهى باللفظ و المعنى قول واحد من ثلاثة . و عليه يكون لفظ القرآن و نظمه ، و على قولين من ثلاثة ، أما من جبريل ، و إما من محمد نفسه . و هذا يقضى على نظرية الرافعى ان " القرآن هو نفس الوحى " ، و أنه الاعجاز المطلق .

و نظرية الرافعى تجعل الدين حرفا ، و الوحى حرفا ، و أهلهما عباد الحرف . و ذلك لارتباط الاعجاز بحرفه و نظمه .

و بما أن حرف القرآن و نظمه هما من جبريل أو من محمد نفسه ، على قولين من الثلاثة ، فهذان القولان ينقضان اعجاز القرآن نفسه بحرفه و نظمه .

فتاريخ الكلام فى اعجاز القرآن يقود أهل العصر من المسلمين أنفسهم ، تجاه اختلاف السلف فى وجهالاعجاز على ايجاد فلسفة جديدة للقرآن يستعيضون بها عن المعجزة و الإعجاز .


" إحكام السياسة المنطقية على طريقة البلاغة ( بالأسلوب الخطابى و الجدلى ) ، لا على طريقة المنطق " ، بالأسلوب البراهانى ( ص 299 ) . فاخراج طريقة المنطق و البرهان من القرآن ، حوله من أسمى ما وصل اليه الإنسان .
معجزة القرآن ١٥٣

ثانيا : فلسفة أهل العصر فى النبوة و المعجزة

إن علماء الاسلام اليوم ، كما رأيت ، فى حيرة من أمرهم تجاه فلسفة المعجزة و النبوة . فهم تجاه واقع قرآنى صريح قائم ، " موقف القرآن السلبى من كل معجزة له " ، و تجاه خلاف أهل السنة و الجماعة فى وجه الاعجاز القرآنى ، و تجاه أمر كلامى متشابه مشبوه فى صحة اعجاز القرآن معجزة له ، منذ نادى المعتزلة " بأن الله لم يجعل القرآن دليلا على النبوة " .

إن أئمة العلماء المسلمين الذين لا يؤخذون بالتقليد يشهدون أن لا معجزة فى القرآن دليل النبوة – ما عدا الاعجاز البيانى الذى سننظر فيه . و ثبت لديهم أن ما توهمه بعضهم معجزة للنبى فى القرآن و الحديث و السيرة ، " من المتأكد أنه ليس لهم سند من قرآن صريح أو حديث صحيح " ، " ليس هناك آية قرآنية صريحة فى القضية ، و لا حديث واحد متواتر " كما نقلنا عن الاستاذ عبد الله السمان .

و اعجاز القرآن الذى اختلفوا فى وجهه و فى مداه كان التحدى به عابرا ، و تجاه المشركين وحدهم . و عند لقاء أهل الكتاب فى المدينة نسخه بآية ( آل عمران 7 ) : " منه آيات محكمات ، هن أم الكتاب ، و أخر متشابهات ... و ما يعلم تأويله إلا الله ، و الراسخون فى العلم يقولون : آمنا به ، كل من عند ربنا " . مع ذلك ظل بعضهم يتمسك به دليلا على النبوة ، لعلمهم بضرورة المعجزة لصحة النبوة ، و ليس فى القرآن غيره .

لكن بما ان القرآن لا يعتبر اعجازه معجزة له ، و لا يصح الاعجاز البيانى الذى هو لخاصة العرب معجزة للعالمين ، فقد اضطر هذا الواقع القرآنى و الكلامى أئمة العلماء فى عصرنا أن يأتوا بفلسفة جديدة فى النبوة و المعجزة . و نحن ندرس الآن بعض نظرياتهم .

1 – قيل : لا ضرورة للمعجزة لصحة النبوة

 إن أهون سبيل للخلاص من ذلك الواقع المرير فى القرآن ، هو المناداة بأن لا ضرورة للمعجزة فى بيان صحة النبوة . بدأ هذه الفلسفة الجديدة حسين هيكل فى ( حياة محمد ، ص 490 ) : " ما كان محمد بحاجة الى الخوارق لإثبات رسالته " . و أيده فى ذلك شيخ الأزهر فى مقدمة الكتاب . و سرت النظرية الجديدة بين القوم . ففى ( سيرة الرسول 1: 226 ) يعلن الاستاذ دروزة: " إن حكمة الله اقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة لنبوة سيدنا محمد