ثانيا : فلسفة أهل العصر فى النبوة و المعجزة
إن علماء الاسلام اليوم ، كما رأيت ، فى حيرة من أمرهم
تجاه فلسفة المعجزة و النبوة . فهم تجاه واقع قرآنى صريح
قائم ، " موقف القرآن السلبى من كل معجزة له "
، و تجاه خلاف أهل السنة و الجماعة فى وجه الاعجاز القرآنى
، و تجاه أمر كلامى متشابه مشبوه فى صحة اعجاز القرآن
معجزة له ، منذ نادى المعتزلة " بأن الله لم يجعل
القرآن دليلا على النبوة " .
إن أئمة العلماء المسلمين الذين لا يؤخذون بالتقليد
يشهدون أن لا معجزة فى القرآن دليل النبوة – ما عدا الاعجاز
البيانى الذى سننظر فيه . و ثبت لديهم أن ما توهمه بعضهم
معجزة للنبى فى القرآن و الحديث و السيرة ، " من
المتأكد أنه ليس لهم سند من قرآن صريح أو حديث صحيح "
، " ليس هناك آية قرآنية صريحة فى القضية ، و لا
حديث واحد متواتر " كما نقلنا عن الاستاذ عبد الله
السمان .
و اعجاز القرآن الذى اختلفوا فى وجهه و فى مداه كان
التحدى به عابرا ، و تجاه المشركين وحدهم . و عند لقاء
أهل الكتاب فى المدينة نسخه بآية ( آل عمران 7 ) : "
منه آيات محكمات ، هن أم الكتاب ، و أخر متشابهات ...
و ما يعلم تأويله إلا الله ، و الراسخون فى العلم يقولون
: آمنا به ، كل من عند ربنا " . مع ذلك ظل بعضهم
يتمسك به دليلا على النبوة ، لعلمهم بضرورة المعجزة لصحة
النبوة ، و ليس فى القرآن غيره .
لكن بما ان القرآن لا يعتبر اعجازه معجزة له ، و لا
يصح الاعجاز البيانى الذى هو لخاصة العرب معجزة للعالمين
، فقد اضطر هذا الواقع القرآنى و الكلامى أئمة العلماء
فى عصرنا أن يأتوا بفلسفة جديدة فى النبوة و المعجزة .
و نحن ندرس الآن بعض نظرياتهم .
1 – قيل : لا ضرورة للمعجزة لصحة النبوة
إن أهون سبيل للخلاص من ذلك الواقع المرير فى القرآن ، هو المناداة بأن لا ضرورة للمعجزة فى بيان صحة النبوة . بدأ هذه الفلسفة الجديدة حسين هيكل فى ( حياة محمد ، ص 490 )
: " ما كان محمد بحاجة الى الخوارق لإثبات رسالته " . و أيده فى ذلك شيخ الأزهر فى مقدمة الكتاب . و سرت النظرية الجديدة بين القوم . ففى ( سيرة الرسول 1: 226 ) يعلن الاستاذ
دروزة: " إن حكمة الله اقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة لنبوة سيدنا محمد
|