١٧٦ معجزة القرآن

ثالثا : النبوءة بنصر بدر

قيل : فيها نصان .

النص الأول : " أم يقولون : نحن جمع منتصر ! سيهزم الجمع و يولون الدبر ! بل الساعة موعدهم ، و الساعة أدهى و أمر " ( ال قم ر 44 – 46 ) .

لا شىء فى ( أسباب النزول ) و لا فى النص ، يجعل من الوعد نبوءة غيبية . " و لما قال أبو جهل يوم بدر " إنا جمع منتصر " ، نزل : " سيهزم الجمع و يولون الدبر " ، فهزموا ببدر ، و نصر رسول الله صلعم عليهم " ( الجلالان ) . بحسب هذا التحليل ، الوعد تسجيل واقع .

لكن الآية من مكة ، و لم ينزل بعد الأمر بالجهاد و القتال : فلا تمت الآية فى واقع الحال إلى نبوءة عن نصر حربى .

و فاتهم جميعا الوعد المضروب للهزيمة : " بل الساعة موعدهم " . فالنصر الموعود هو فى يوم الدين ، حيث تكون الهزيمة فى " سقر " ( 48 ) .

النص الثانى : " و إذا يعدكم احدى الطائفتين أنها لكم " ( الانفال 7 ) . و قد وفى لهم بما وعد . فهل فى هذا القول علم بالغيب ؟ قال الجلالان : " شاور النبى صلعم أصحابه و قال : إن الله وعدنى إحدى الطائفتين . فوافقوه على قتال النفير ، و كره بعضهم ذلك و قالوا : لم نستعد له " .

نص الوعد لا يحمل معنى " النبوءة " أى علم الغيب : فهو مجهول القصد ، العير أم النفير . وواقع الحال لم يكن يتجه إلى قتال النفير فى بدر ، كما يظهر من قصة الغزوة فى القرآن و السيرة . كان هدف الغزوة قطع الطريق على قافلة أبى سفيان العائدة من الشام مثقلة بالمال و المتاع . لكن نفير قريش تصدى لهم فنازلهم فنازلوه .

و الوعد " بإحدى الطائفتين " ليس فيه معنى المعجزة ليصح نبوءة : فليس خارقا للعادة ، لأنه مجهول الهدف ، و ليس سالما عن المعارضة ، فلم يحمل المسلمون القول محمل العلم بالغيب ، فهم يجادلون فيه حتى بعد النصر : " يجادلونك فى الحق بعد ما تبين " ( الانفال 6 ) . فلو كان فى الوعد معنى التحدى لما تلكأ المسلمون عن الخروج الى المعركة : " و ان فريقا من المؤمنين لكارهون " ( 5 ) ، و من شدة خوفهم كانوا ربهم يستغيثون ( 9 ) . فلم يكن الوعد مقطوعا كمعجزة للتحدى .

معجزة القرآن ١٧٧

و القرآن نفسه لا يرى فى ذلك الوعد غيبا مكشوفا ، بل بشرى للاطمئنان : " و ما جعله إلا بشرى ، و لتطمئن به قلوبكم ، و ما النصر إلا من عند الله " ( 10 ) . و قد استغل القرآن الحدث كنصر من الله يؤيده ، لا كمعجزة غيبية تشهد له .

فالنص و القرائن كلها ، دلائل على أن ذلك الوعد كان وعد قائد حكيم ، لا نبوءة غيبية معجزة . فليس فى القرآن من نبوءة بنصر بدر .

رابعا : النبوءة بفتح مكة

جاء بعد فتح الحديبية : " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ، محلقين رؤوسكم و مقصرين ، لا تخافون . فعلم ما لم تعلموا ، فجعل من دون ذلك فتحا قريبا " ( الفتح 27 ) هو معاهدة الحديبية .

التفسير الصحيح ، و ( أسباب النزول ) تمنع أن يكون فى الآية نبوءة غيبية . قال الجلالان : " رأى رسول الله صلعم فى النوم ، عام الحديبية ، قبل خروجه ، أنه يدخل مكة هو و أصحابه و يحلقون و يقصرون . فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا . فلما خرجوا معه ، و صدهم الكفار بالحديبية و رجعوا ، و شق عليهم ذلك ، و راب بعض المنافقين ، نزلت " . و يقول السيوطى فى ( أسباب النزول ) : " أخرج الغريابى و عبد بن حميد و البيهقى ، أنه يدخل مكة و أصحابه آمنين محلقين رؤوسهم و مقصرين . فلما نحر الهدى بالحديبية ، قال أصحابه : أين رؤياك ، يا رسول الله ؟ فنزلت " .

فأصحاب محمد يشهدون بأن الوعد لم يتم . فليس فيه من نبوءة غيبية . قيل : لقد تحقق الوعد فى العام القابل . و لكن فى العام القابل ، دخلوا مكة بناء على معاهدة الحديبية ، لا بناء على وعد نبوى . و قد تخاذل صناديد قريش أمام قوة المسلمين الزاحفة . فليس فى الوعد معنى كشف الغيب ، إنما هو بنص القرآن القاطع " رؤيا " فى منام . و النبوءة الغيبية ، الخارقة للعادة ، السالمة عن المعارضة ، التى يتحدى بها كمعجزة له ، لا تكون " رؤيا " فى منام ! .

و ظروف الحال تمنع الاعجاز ، فزمن النبوءة مجهول : فهو تارة قبل الخروج إلى الحديبية ، و تارة فى الحديبية ، و السورة التى تذكره من بعد الحديبية . و النبوءة المعجزة لا