- ١٢ -

يستطيع رجل أن ينكر أن نور عقل الإنسان ما هو إلا ظلام دامس حينما يقاس بالنور الذى لا يقترب منه الساكن فيه إله النور القدوس. إن الإنسان بعقله لا يمكنه أن يعلل الظلام الحائم حول وجوده ولا يمكنه أن يوضح سر ذاته ولا يقدر أن يفهم أسرار قلب غيره.

إذا حملق إنسان فى الشمس أظلمت عيناه وهكذا إذا خُـيّل للإنسان أن يدرك بمسبار عقله سر الذات المقدسة الشمس الروحية الحقيقية كانت النتيجة أن يرى أمامه ظلاماً أقتم، فإن الشمس والقمر والنجوم فى كل أنوارها ما هى إلا نقطة ماء فى أوقيانوس إذا قيست بشمس البر وذرة من مقدار عظمته. ولقد سئل أحد العلماء قديماً ( ما هو الله ) فأجاب معترفاً ( أنه كلما أكثر فى البحث عن هذا السؤال كلما بعد عن الجواب ).

وهكذا كل عالم فى زماننا إذا اتكل على قوة ذاكرته فى إدراك الله لا يسعه إلا أن يقول كما قال ذلك العالم من قديم الزمان.

ونستنتج مما تقدم أنه لو لم يعلن الله لنا ذاته فى كتابه لما أمكننا أن نستدل على الحقيقة بشىء ومع وجود هذه التعاليم الصريحة المختصة به تعالى نرى أن الإنسان لم يزل عاجزاً عن إضافة شىء على ما أجىء به من الله. بل أن مجموع ما قاله العلماء وما سيقولونه عن الذات الإلهية

- ١٣ -

مؤسساً على فلسفتهم وعلمهم فكلمة الله وتعاليم يسوع تفوق أقوالهم بغير حد. إلا أن ما لا يمكن للإنسان أن يكتشفه بنفسه يجب أن يقبله ويؤمن به إذا أعلنه الله تعالى له. أما إذا رفض الإنسان ما أعلنه الله تعالى لكبريائه فهو يدين نفسه ويكون فى نظر الله مسئولاً عن جهله وعماه بإرادته.

لا ننكر أنه توجد بعض المواضيع فى كلام الله لا يمكن للإنسان بعقله الضعيف المحدود أن يدركها تماماً فالإنسان عاجز عن إدراك تلك الذات الحية الأبدية وتلك الحكمة الغير المتناهية والغير المحدودة فكل ما عنده من المعرفة والعلم مبنى على ملاحظاته الخارجية واستدلالاته الداخلية.

مثال ذلك أن الإنسان يستدل على وجود الخالق مما يراه من القوة والحكمة الظاهرتين فى الخليقة ومما يراه من الذكاء والمحبة والعدل والرحمة والصفات الأخرى الكثيرة الموجودة على نوع ما فى أبناء البشر فإذا نسبناهذه الصفات بأكمل معانيها للخالق جل وعلا يمكننا أن ندرك بعض الإدراك معنى وجود هذه الصفات فى الله تعالى. ورجال العلم عالمون أنه توجد فى الخليقة الغير منظورة وبالتالى فى ذات الله المقدسة أمور مهمة عديدة ونقط مخصوصة يعجز الإنسان عن