- ٣٠ -

(7) أظهر المسيح ذلك أيضاً بطريقة غامضة نوعاً ما إذ قال لليهود فى ( يوحنا 8 : 23 ) " أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم " ولكى لا نشك فى هذا الكلام قال فى (يوحنا 8 :42 ) " لأنى خرجت من قبل الله وأتيت " وقال لتلاميذه فى ( يوحنا 16 : 27 و28 ) " لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتمونى وآمنتم أنى من عند الله خرجت - خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب ".

وقد عرف يوحنا المعمدان هذه الحقيقة وكان يعلم قائلا " الذى يأتى من فوق هو فوق الجميع والذى من الأرض هو أرضى ومن الأرض يتكلم الذى يأتى من السماء هو فوق الجميع وما رآه وسمعه به يشهد " ( يوحنا 3 : 31 و32 ) ومع أن هذه الكلمات وحدها لا تثبت ألوهية يسوع المسيح إلا أنها تبرهن أنه جاء من السماء ومن عند الله وأنه ليس كغيره من الأنبياء كموسى وداود وإيليا ويوحنا المعمدان – هذه العبارة مقتطفة من تعاليم كثيرة حولها لإثبات لاهوت المسيح ولا يمكننا فهمها إلا إذا كنا نفهم التعاليم الأخرى الخاصة بذلك وعندئذ يتضح لنا تماماًَ معنى قوله " أن المسيح جاء من عند الله " أو كما يقول المسلمون أنه روح.

- ٣١ -

(8) يعلمنا يسوع المسيح أن محبتنا له عنوان الولادة الروحية الجديدة وهى ضرورية لدخول الملكوت بدليل قوله فى ( يوحنا 3 : 3 ) " إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله " ولما قال له اليهود " لنا آب واحد وهو الله " قال لهم الميسح " لو كان الله أباكم لكنتم تحبوننى " ( يوحنا 8 : 42 ) بذلك أظهر المسيح أن بغضهم له دليل على أنهم أولاد إبليس وليسوا بأولاد الله كما أعلن لتلاميذه أنه بسبب إيمانهم به ومحبتهم له أصبحوا مقبولين لدى الله ومحبوبين فى عينيه وقد قال المسيح فى ( يوحنا 15 : 23 ) " الذى يبغضنى يبغض أبى أيضاً " وكل هذه الآيات إنما تظهر الصلة التى تربطه بالله ويجدر بنا هنا أن نلاحظ أنه يثبت بنوته بقوله أن الله آب له.

(9) ويوضح المسيح أكثر مما مضى أنه لم يكن كائناً سابقاً فقط بل أنه كان قبل خلق العالم مع الله أبيه وهو يستعمل لنفسه اصطلاحاً لا يصح لغيره البته. ولفهم تلك الحقيقة التى بينها نذكر بعض الآيات من الإنجيل قال لليهود " أبوكم ابراهيم تهلل بأن يرى يومى فرأى وفرح " ( يوحنا 8 : 56 ) فاندهش اليهود فى ذلك الوقت ولم يفهموا أنه المسيا الذى وعد الله به ابراهيم خليله وقد رآه بعين الإيمان فقال له اليهود هازئين " ليس لك خمسون سنه بعد أفرأيت ابراهيم " ( يوحنا