- ٣٢ -

8 : 57 ) فقال لهم المسيح " الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن " ومعنى الفعل " يكون ابراهيم " أى قبل تكوينه فى الوجود ومعنى " كائن " هنا أن المسيح يبين أزليته وأنه غير متغير وهذا واضح من قوله " أنا كائن " ولم يقل أنا كنت أو جئت إلى الوجود وقد قال ميخا النبى فى ذلك " أما أنت يا بيت لحم إفراته وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطاً على اسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل " ( ميخا 5 : 2 ) وقد اختار الله لذاته هذا اللقب فى التوراة لما ظهر لموسى وسط العليقة المشتعلة بلهيب النار وأمره أن يذهب إلى مصر إلى فرعون ويخرج شعب اسرائيل ولما سأله موسى عن اسمه كان جواب الله لموسى " أهيه الذى أهيه وقال هكذا تقول لبنى اسرائيل أهيه أرسلنى إليكم " إقرأ ( خروج 3 : 14 ) إن الكائنات بأكملها تنقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث زمانها ماض وحاضر ومستقبل وجميعها عرضة للتغيير والتبديل وأما الواحد الأبدى فليس له ماض ولا مستقبل بل حاضر أبدى – ولما قال المسيح عن نفسه " أنا كائن " أثبت ألوهيته بكل صراحة وهذا واضح ليس فقط من معنى كلماته ولكن من الرموز الكثيرة التى وردت فى الكتاب المقدس وقد فهم اليهود ذلك ولم يؤمنوا بكلامه وحسبوه مجدفاً

- ٣٣ -

" فرفعوا حجارة ليرجموه " ( يوحنا 8 : 59 ) إنه من الأهمية بمكان أن نفهم ذلك لأنه يدلنا على مقدار فهم اليهود لكلامه أيامئذ ولسنا بمخطئين إذا قلنا أن أقواله كانت برهاناً قاطعاً على صحة ألوهيته ولقد اجتهد بعض المسلمين أن يشرحوا قوله هذا بأن أرواح البشر كلها كانت موجودة من وقت الخليقة قبل مجيئها لهذا العالم ولو سلمنا جدلاً بصحة هذا الآراء مع عدم وجود الأدلة المثبتة لذلك فالصعوبة واقفة لنا بالمرصاد فإنه لو سلمنا أن جميع الأرواح خلقت معاً فلا يكون أحدها متقدماً عن الآخر وبالتالى إذا كانت هذه الأرواح قد وجدت قبل أن تتجسد وتولد بأمد قصير واعتبرنا يسوع المسيح إنساناً كسائر البشر فكيف يكون المسيح كائناً قبل ابراهيم وهو من نسله حسب الجسد فهو القائل " قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن " ذلك مما يجعلنا أنس نعتقد أن المسيح ليس كسائر البشر وهذا برهان ساطع على صحة طبيعته الألهية ومما يزيد البرهان صراحة قوله وهو يصلى قبل صلبه " والآن مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم " يوحنا ( 17 : 5 ) إذ لا يمكن لبشر أن يقول قولاً كهذا لأنه لم يكن أحد ما كائناً قبل كون العالم لأن خلق الإنسان حصل بعد تكون العالم فلا يتجاسر أكبر الرسل ولا أعظم الأنبياء أن يقول عن