- ١٤٠ -

لا يتغير وبما أن العالم حى لوجود العقل والنفس فيه فيسميه أفلاطون " إلهاً ثانياً " وهنا أظهر فكراً سامياً أفضل من قول الوثنيين بتعدد الآلهة ولكنه يصعب جداً أن نقول أنه كان يؤمن بإله واحد لأنه كان يسلم بوجود آلهة الوثنيين ولم يظهر أنه كان يؤمن بخالق ذى ذاتية وكان يعتقد بقول وثنيّى اليونان أن الآلهة هى أبناء السموات والأرض وكان يقول أن الخالق يعتبرها آلهة الآلهة. وفى الغالب أنه من وجهة لم يعبد هذه الآلهة ومن الوجهة الأخرى لم يعتبر الخالق مالك وحافظ العالم الذى خلقه لأنه قال بعدئذ أن الخالق بعد أن أرسل الآلهة رجع إلى حالة السكينة التى كان عليها قبل الخليقة وأن عقل ونفس العالم يشبهان تماماً عقل ونفس الإنسان وأن السيارات لا شك أنها ذات نفس حية لما لها من الحركة الدائمة.

كان يوجد فى الإسكندرية فيلسوف يهودى اسمه فيلون وكانت آراؤه التى اقتبسها من حكمة المصريين متفقة بعض الإتفاق مع آراء أفلاطون وقد زعم بعضهم أن هذا الفيلسوف علم تعليم الثالوث ولكن ليس الأمر كذلك بل كان يؤمن بوحدة الله لأنه كان يهودياً وتعلم ذلك من الكتاب المقدس وبما أنه كان شاعراً باطنياً كان يستعمل عبارات مجازية لا حقيقية فيشرك بالله بعض صفاته أو أفعاله وبهذه الكيفية

- ١٤١ -

أورد التثليث ثم اقتداء بالثلاثة آلهة المصرية أوزيريس وإزيس وحورس التى كان يريد شرحها قال أن الخالق كأب والمعرفة كأم ومنهما خرج الكون كابن وتكلم عن الله كأنه قائم بين قواته المبدعة وقواته الحاكمة وأنه سيظهر فى زمن ما واحداً وفى زمن آخر ثلاثة ولكن هذه الكتابة التصويرية الخيالية لا تعنى وجود ثلاثة أقانيم فى إله واحد فشتان الفرق بينهما ولما كان يذكر العبارة " كلمة الله " كان يعنى بها تدبيراً إلهياً به خلق الله العالم أو العلاقة الرمزية التى بها يتحد جميع أجزاء الكون معاً وفى أقواله الصوفية يشبه عقل الله بابنه البكر ولكن لا يفهم من قرائن الأحوال ومن سياق كلامه أنه يقصد بذلك أن العقل أقنوم فى الوحدة الإلهية ولم يذكر فيلون أن الروح القدس أقنوم وعلى كل حال فقد ختم كلامه بأن الجمع فى بعض الأمور لا يخالف الوحدة.

وقد جرى بعض فلاسفة المسلمين مجرى فيلون فيما يختص بهذا الموضوع ولكن كل ما كتبوه كان فى الغالب نتيجة تعمق فى الفكر تعمقاً أبعدهم عن الحق أو عدم معرفة تعليم الثالوث فى الديانة المسيحية معرفة تامة ولما كان عندهم من التشامخ والكبر وما فيهم من التعصب الذى منعهم عن قبول تعليم الله بكل احترام وخضوع رأوا أنهم مضطرون أن يسلموا بأن ذات الله ليست واحدة محضة بل فيها