٥٢ معجزة القرآن

شرك و أوثان . فهل يأمر القرآن بالشرك ؟ هذا كفر بحقه . إن القرآن العربى يشهد بأن الكعبة كانت معبد توحيد ، و تمثيل المسيح و امه على جدرانها ، كما روى الأزرقى ، و ذلك قبل البعثة بخمس سنوات ، عند تجديد بنائها ، يشهد بأنها كانت معبدا مسيحيا ، يطوف به قس مكة " النصرانى " ورقة بن نوفل . و ما كان القس ليطوف بمعبد شرك و أوثان ، و ما كان القرآن ليأمر بعبادة " رب هذا البيت " رب شرك و أوثان . هذه شهادة قرآنية أولى على ذلك .

و الشهادة الثانية فى السورة الخامسة و الثلاثين ( البلد ) حيث يقسم : " لا ! أقسم بهذا البلد ، و أنت حل بهذا البلد ، ووالد و ما ولد : لقد خلقنا الانسان فى كبد " ( 1 – 4 ) . إن القسم " بوالد و ما ولد " قسم ميسحى بالله و المسيح – لا " بآدم و ذريته " كما يقول الجلالان – و هو قسم تردده عقيدة النصارى من بنى اسرائيل ، كما نقلها القرآن فى قوله : " قل : هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد و لم يولد " . وقسم القرآن " بهذا البلد " برهان على أن مكة كانت بلد توحيد ، بخلاف الوهم المشهور ، و غلا جعلنا القرآن يقسم ببلد مشرك ، معاذ الله ! إنما شرك اهل مكة كان " الى الله " ( الزمر 3 ) ، لا عبادة مخلوق مع الخالق . فالقسم الثنائى " بهذا البلد ، ووالد ما ولد " شهادة قائمة لسيطرة المسيحية على مكة و الكعبة ، بخلاف ما يتوهمون و يوهمون . و اعلان القرآن : " قل : هو الله احد ، لم يلد و لم يولد " هو اشهار الصراع الناشىء بين " النصرانية " و المسيحية ، للسيطرة على مكة و الكعبة ، بفضل الدعوة القرآنية .

و فى السورة السابعة و الثلاثين ( القمر ) يفتتح القصص القرآنى . و فيها يذكر مصادر دعوته و قصصه ، و يستعلى بها على المشركين من بنى قومه : " أكفاركم خير من اولئكم ؟ أم لكم براءة فى الزبر ؟ " ( 43 ) . و يكرر : " و كل شىء فعلوه فى الزبر " ( 52 ) . و هو مثل قوله: " و انه لتنزيل رب العالمين ... و انه لفى زبر الاولين : ألم يكن لهم اية ان يعلمه علماء بنى اسرائيل " ( الشعراء 192 – 197 ) ، " زبر الاولين " أى " كتبهم كالتوراة و الانجيل " ( الجلالان ) . فالقرآن ينتسب فى دعوته إلى النصارى من بنى إسرائيل ، " المسلمين " من أهل الكتاب ، الذين يتلو معهم " قرآن " الكتاب ( القلم 37 – 38 ، المزمل 1 – 5 ) .

نصل الى سورة (الاعراف) ،التاسعة والثلاثين . وهى سورة متبعضة أى فيها آى مكى وآى مدنى (حديث النبى الأمى )،من أزمنة مختلفة . و(الاعراف ) مع (الانعام) هما صورة الجدال الأكبر فى الدعوة والمعجزة التى يطلبون لتأييدها .يصرح :"ولقد جئناهم

معجزة القرآن ٥٣

بكتاب فصلناه على علم ،هدى ورحمة لقوم يؤمنون " (52): فالقرآن العربى إنما هو "تفصيل الكتاب " (يونس 37 ) ، على طريقة "أولى العلم "، "الصالحين "،كناية عن "النصارى " من بنى إسرائيل :" ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون "(159). فعلى مثالهم يدعو " النبى الأمى الذى يؤمن بالله و كلمته "1 ( 158 ) أى بالله و المسيح . فالدعوة القرآنية دعوة " نصرانية " : " إن ولى الله الذى نزل الكتاب ، و هو يتولى الصالحين " ( 196 ) . و هؤلاء الصالحون " هم " ممن خلقنا أمة يهدون بالحق و به يعدلون " ( 181 قابل 159 ) ، أى " النصارى " من بنى اسرائيل . فهو يدعو فى القرآن بدعوة هؤلاء " النصارى " الصالحين . و شهادتهم له هى كل برهانه على صحة دعوته . يتحدونه بمعجزة فيجيب :

" و اذا لم تأتهم بآية قالوا : لولا اجتبيتها " ! ( 203 ) أى " لولا أنشأتها من قبل نفسك " ( الجلالان ) . و يتحدونه بنبوءة غيبية فيجيب : " قل : لا أملك لنفسى نفعا و لا ضرا ، إلا ما شاء الله ! و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسنى السوء ! إن أنا إلا نذير و بشير لقوم يؤمنون " ( 188 ) . فليس فى القرآن العربى نبوءة غيبية ، و لا معجزة حسية ، إنما هو قرآن الكتاب على العرب : " واذا قرىء القرآن فاستمعوا له و انصتوا لعلكم ترحمون " ( 204 ) ، فالقرآن الذى يتلوه عليهم هو غير هذا القرآن العربى الذى يقص الخبر : فالقرآن المخبر هو غير القرآن المخبر عنه ، لاحظ استعمال التعريف المطلق دائما : " القرآن " منذ مطلع الدعوة ( المزمل 4 ) و لم ينزل من القرآن العربى ، حينئذ الا ايات معدودات ، حتى الان ( الاعراف 204 ) . فالقرآن العربى هو دعوة لقرآن الكتاب ، " للقرآن " على الاطلاق ، بلا نبوءة غيبية و لا معجزة حسية ، انه " تفصيل الكتاب " للعرب . و فى هذا " التفصيل " نبوءة محمد كلها ، و دعامة صحتها .

فى الحادية و الاربعين ( يس ) يقسم : " و القرآن الحكيم ، انك لمن المرسلين ، على صراط مستقيم ، و تنزيل العزيز الرحيم ، لتنذر قوم ما انذر ابائهم فهم غافلون " ( 1 – 6 ) . ليس المقسم به " القرآن الحكيم " و المقسم عليه القرآن العربى واحدا ؟ و ما نزل من القرآن العربى لم تكن له هذه الحرمة عند المشركين حتى يصح القسم به ، و ليس هو بالمعروف المشهور المطلق حتى يسميه " القرآن الحكيم " : فهذا " القرآن الحكيم " الذى يدعو إليه القرآن العربى هو


1 قراءة " كلمته " اصح من " كلماته " ، لانسجامها مع السياق كله .