٥٤ معجزة القرآن

الكتاب المقدس . فقرآن الكتاب هو " تنزيل العزيز الرحيم " ، و محمد " من المرسلين ، على صراط مستقيم " بالدعوة له و هذا " الصراط المستقيم " هو " طريق الانبياء من قبلك " ( الجلالان ) . اسم الدعوة يدل عليها : " إن هو الا ذكر و قرآن مبين " ( 69 ) . فدعوة محمد قراءة عربية للكتاب الامام ، و ذكرمنه . و مع ذلك فمشركو مكة يعرضون عنه لأنه لا يأتيهم بمعجزة كالأنبياء الاولين : " و ما تأتيهم من آية ( خطابية ) من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " ( 46 ) . يطلبون معجزات حسية فيقدم لهم آيات خطابية ، فيردونها إلى الشعر أو إلى السحر ( 69 ) .

فى الثانية و الأربعين ( الفرقان ) يشتد الخصام ، لعجز محمد عن معجزة تفحمهم : " و قال الذين كفروا : إن هذا الا افك افتراه ، و اعانه عليه قوم اخرون ! – فقد جاؤوا ظلما و زورا " ( 4 ) . إنه يرد التهمة بكلمة ساحقة . لكن الرد يقع على الافتراء ، لا على معونة قوم اخرين ينتسب محمد اليهم فى دعوته : " و قالوا : اساطير الاولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة و اصيلا ! – قل : أنزله الذى يعلم السر فى السموات و الارض " ! ( 5 – 6 ) . تراجعوا عن قولهم : " أفك افتراه " ، و سموه : " اساطير الاولين " أى اساطير اهل الكتاب . فرد عليهم : ليس ما يدعوهم اليه " اساطير " بل تنزيل الله فى الكتاب . فلا يرد مباشرة على تهمتهم : " اكتتبها فهى تملى عليه بكرة و اصيلا " . و بما أن النبى يدعى إن دعوته تنزيل ، فهم يطلبون منه معجزة ( 7 – 8 ) فيتهرب . يعاودون الكرة ( 21 ) فيتهرب أيضا . حينئذ يتحدونه بأتيان بالقرآن جملة : " و قال الذين كفرا : لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ( 32 ) – كالتوراة و الانجيل و الزبور ( الجلالان ) – فيجيب : " كذلك ، لنثبت به فؤادك ! و رتلناه ترتيلا ( 32 ) : القرآن عليه كان لتثبيت محمد نفسه قبل دعوة غيره . و الدعوة القرآنية ليست افتراء و لا أساطير ، إنما هى قرآن الكتاب كما عند " الأولين " ، كما يتضح من القول المتواتر " أساطير الأولين " كما نعتوها ( 8 : 31 ، 23 : 83 ، 25 : 5 ، 27 : 68 ، 68 : 15 ، 83 : 13 )

فى الثالثة و الأربعين ( فاطر ) يظهر تضامنه فى دعوته مع طائفة " أولى العلم " من أهل الكتاب : " إن الذين يتلون كتاب الله ، و اقاموا الصلاة و انفقوا مما رزقناهم سرا و علانية يرجون تجارة لن تبور " ( 29 ) . فهو يشهد بأن " كتاب الله موجود قبل القرآن العربى ، و ان ما يتلوه اهل الكتاب فى زمان محمد لم يزل " كتاب الله " ، و يشهد أيضا بأن تلك الطائفة

معجزة القرآن ٥٥

الصالحة تؤازر الدعوة القرآنية و تنفق فى سبيلها سرا و علانية ، و هم " أولو العلم " من أهل الكتاب ، فيجيبهم بقوله : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " ( 28 ) . ليس هذا تعبيرا لغويا كما يفهمونه ، انما هو اصطلاح قرآنى ، كناية عن " أولو العلم " من اهل الكتاب أى " النصارى " من بنى اسرائيل . فيتعنت المشركون ، فيستعلى عليهم " بكتاب الله " الذى يتلوه مع " العلماء " من أهل الكتاب : " ام اتيناهم كتابا فهم على بينة منه " ؟ ( 40 ) إن محمدا عنده " كتاب الله " و هو على بينة منه ، و يدعوهم إليه حسب رغبتهم و قسمهم : " و اقسموا بالله جهد إيمانهم : لئن جاءهم نذير ، ليكونن أهدى من احدى الامم " ( 42 ) – أى اليهود . إن محمدا ، بتضامن مع " أولى العلم " من أهل الكتاب ، حقق للعرب أمانيهم ، " فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا و استكبارا فى الأرض ، و مكر السىء " ( 42 – 43 ) . و سبب ذلك عجزه عن معجزة ، هى سنة الأنبياء الاولين ، كما ينتظرونها منه : " فهل ينظرون الا سنة الاولين ؟ – فلن تجد لسنة الله تبديلا ! و لن تجد لسنة الله تحويلا " ( 43 ) . لقد منعت المعجزات عن محمد ، و لا أمل فى تبديل و تحويل سنة الله ( قابل الاسراء 59 ) .

و هكذا انتهى العهد الاول بمكة ، بالهجرة الجماعية إلى الحبشة المسيحية . لقد احتمى المسلمون المضطهدون عند بنى دينهم . جاء فى ( الاتقان 1 : 19 ) : " ينبغى أن يمثل لما حمل إلى الحبشة بسورة مريم . فقد صح أن جعفر بن ابى طالب قرأها على النجاشى . أخرجه محمد فى مسنده " . و سورة مريم ، الرابعة و الاربعون ، إعلان إيمان الدعوة القرآنية بالمسيح و أمه . فالقرآن دعوة انجيلية على طريقة " النصرانية " . هذا ما نراه أيضا فى العهد الثانى بمكة .

رجع النبى العربى إلى دعوته ، و رجع مشركو مكة إلى تعجيزه بمعجزة كالانبياء الاولين . هذا نراه فى سورة ( طه ) ، الخامسة و الاربعين : " و قالوا : لولا يأتينا بآية من ربه ! – أو لم تأتهم بينة ما فى الصحف الاولى " ( 133 ) . لا معجزة عند محمد مثل سائر الانبياء ، معجزته أن القرآن العربى " بينة ما فى الصحف الاولى " ، و هذا البيان شهادة له على صحة دعوته .

و فى ( الشعراء ) ، السابعة و الاربعين ، يأتى التصريح الكامل فى معنى دعوته و نبوته . يستفتح بذكر اعراضهم المتواصل ( 1 – 9 ) لأن المعجزة المطلوبة لم تأت ( 4 ) . و يرد على كفرهم بدعوته بهذا التصريح :