٥٦ معجزة القرآن
" و أنه لتنزيل رب العالمين
 
نزل به الروح الأمين
على قلبك لتكون من المنذرين
 
بلسان عربى مبين
" و أنه لفى زبر الاولين
 
أو لم يكن لهم أن يعلمه علماء بنى اسرائيل
و لو نزلناه على بعض الاعجمين
 
فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين "
   

( 192 – 199 )

أجل إن القرآن العربى هو أيضا " تنزيل رب العالمين " ( 192 ) ، لكنه " فى زبر الاولين " ( 196 ) أى " كتبهم كالتوراة و الانجيل " ( الجلالان ) و هذه هى البينة الاولى على صحته . فهو تعريب التنزيل " بلسان عربى مبين " ، كما أمره به ملاك الله فى رؤيا غار حراء ، " نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين " . و الشهادة على مطابقة القرآن العربى لكتاب الله فى زبر الاولين ، هى شهادة " علماء بنى اسرائيل " أى " اولى العلم " من بنى اسرائيل ، بحسب الاصطلاح القرآنى المتواتر 1 ، و هم " النصارى " من بنى اسرائيل ، فشهادتهم لمطابقة الدعوة القرآنية لكتاب الله الامام هى البينة الثانية على صحتها . لا معجزة عنده سوى ذلك ، فالتضامن فى الدعوة و الشهادة لها كامل بين محمد و " علماء بنى اسرائيل " أى " النصارى " ، لذلك فالقرآن العربى دعوة " نصرانية " .

و فى ( النمل ) ، الثامنة و الاربعين يعلن أن أولئك " النصارى " من بنى اسرائيل هم " المسلمون " الحقيقيون الذين ينتمى محمد إليهم ، و يتلو معهم قرآن الكتاب بقراءتهم . قابل فاتحة السورة : " تلك ايات القرآن و كتاب مبين ، هدى و بشرى للمؤمنين ... و انك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم " ( 1 – 6 ) ، مع خاتمتها : " و أمرت أن أكون من المسلمين و أن أتلو القرآن " ( 91 – 92 ) . " فالمسلمون " موجودون قبل محمد ، و هم " من قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون " ( الاعراف 159 ) ، و يعرفون " القرآن " قبل محمد : " أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بنى اسرائيل " ( الشعراء 197 ) ، بل " هو ايات بينات فى صدور


1 و حمل التعبير " علماء بنى اسرائيل " على اللغة . لا على الاصطلاح القرآنى المتواتر ، هو ما يحمل كثيرا من المفسرين و المستشرقين على سوء فهم القرآن ، فيظنون من الآيتين ( الشعراء 197 ، الاحقاف 10 ) أنه كان فى مكة جالية يهودية ، و أن اليهود فى عهد من القرآن كانوا من شهوده ، و القرآن كله تأييد " للنصرانية " الاسرائيلية على اليهودية ( الصف 14 ).
معجزة القرآن ٥٧

الذين أوتوا العلم " ( العنكبوت 49 ) . ان " علماء بنى اسرائيل " ليسوا اليهود ، " أول كافريه " ، بل النصارى من بنى اسرائيل ، الذين فرضوا " نصرانيتهم " على الجزيرة باسم الاسلام الذى اسهموا فى نشأته و ذابوا فيه ( الصف 14 ) . و " القرآن " ، " القرآن العظيم " موجود معهم " ايات " من الكتاب المبين ، و محمد مأمور بأن ينضم اليهم ، و يتلو معهم هذا " القرآن " لاحظ الاستفتاح : " تلك " و هى اشارة الى ما يسبق السورة القرآنية العربية من تلاوة " آيات القرآن " من الكتاب المبين ، و ما السورة التى تستفتحها الاية سوى تعليق على تلك التلاوة . هذا الواقع القرآنى شاهد عدل على أن محمدا انضم إلى النصارى " المسلمين " قبله ، و تلا الكتاب المبين على العرب " بقرآنهم " أى قراءتهم العربية له ، بإشراف " حكيم عليم " منهم .

و فى هذه السورة التصريح بغاية الدعوة القرآنية : " إن هذا لاقرآن يقص على بنى اسرائيل أكثر الذى هم فيه يختلفون " ( النمل 76 ) . بنو اسرائيل اختلفوا فى المسيح الى يهود و نصارى ، و الدعوة القرآنية قامت – مع هداية مشركى العرب الى التوحيد الكتابى – للفصل فى الخلاف على المسيح بين اليهود و النصارى من بنى اسرائيل . و سيقول القرآن المدنى بأن غايته تأييد هذه النصرانية الاسرائيلية على اليهودية حتى الظهور عليها ( الصف 14 ) . فوقف القرآن كله حتى آخر عهده ، و مجادلة وفد نجران المسيحى اليعقوبى ، موقف الحياد من المسيحية كلها . و موقف الحياد هذا لا يمنع بيان الاختلاف فى العقيدة معها من حين لاخر ، بيان " نصرانية " العقيدة القرآنية .

ثم يقول " و أمرت أن اعبد رب هذه البلدة ... و أمرت أن أكون من المسلمين " ( 91 ) . إن مكة لم تطهر بعد من الشرك ، فمن هو " رب هذه البلدة " ؟ و كيف يؤالف بين هده العبادة ، و بين دعوة " المسلمين " الذين انضم اليهم ؟ إما هو اله الشرك ، و إما هو اله كفر ! إن " رب هذه البلدة " هو الله ، اله المسيحية السائدة فى مكة ، و الذى يعبده أيضا " المسلمون " من قبل محمد ، " النصارى " الذين أمر بأن ينضم غليهم ، و يعبد الله بعبادتهم ، و يدعو بدعوتهم ، فى منافسة المسيحية ، و محاربة الشرك ، و هذه شهادة قرآنية ثالثة على سيادة التوحيد المسيحى بمكة و الكعبة . فلا يقبلون دعوته لأنها بدون معجزة كالانبياء الاولين . أما محمد فيأمل أن تأتى المعجزة : " و قل : الحمد لله ، سيريكم آياته فتعرفونها " ( 93 ) .