٦٠ معجزة القرآن

" و يسألونك عن الروح ؟ قل : الروح من امر ربى ، و ما اوتيتم من العلم ، الا قليلا " ( 85 ) ، فهذه شهادة ناطقة على أن " العلم " المنزل فى القرآن أقل مما فى كتاب الامام الذى مع " أولى العلم " . و تلك الحدود و القيود للتحدى باعجاز القرآن تفسر ايضا معنى " الاسراء " فى الآية الوحيدة التى تستفتح السورة : " سبحان الذى اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى " ( 1 ) . فليس المذكور معجزة على الاطلاق ، لان السورة عينها تعلن ان المعجزة منعت عن محمد منعا مبدئيا مطلقا ( 59 ) . و التكرار فى اخبار القرآن و اوصافه متواتر مشهود ، فلو كان فى اية الاسراء اليتيمة ادنى معنى للاعجاز لتوارد فى القرآن . و الآية نفسها تنص على أنه تم " ليلا " فلم يكن مشهودا ، فليس فيه معنى التحدى ليصح معجزة . أنه أيضا " رؤيا " ليل ، قصها محمد للفتنة " بنص القرآن القاطع ( 60 ) فليس فيه معنى الاعجاز . و القرآن نفسه يقطع الطريق على كل من يرى فيه اعجازا أو معجزة ، بنقله تحدى المشركين له باسراء كالذى تضعه الاية ، " أو ترقى فى السماء ! و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه ! – قل : سبحان ربى هل كنت الا بشرا رسولا " ( 93 ) ، لذلك فهو لم يرق فى السماء ، و لم ينزل عليهم كتابا من السماء ، و القرآن يصرح بعجز النبى عن مثل ذلك .

و السورة الحادية و الخمسون ( يونس ) تصرح بان القرآن " تفصيل الكتاب " الذى قبله . يتحدونه بمعجزة ، " و يقولون : لولا انزل عليه اية من ربه ! – فقل : انما الغيب لله ! فانتظروا انى معكم من المنتظرين " ( 20 ) . لم تأت المعجزة بعد . لذلك فالتحدى بالقرآن من قبل و من بعد ليس فيه معنى المعجزة على الاطلاق . و بدون معجزة ينسبون اليه افتراء القرآن ، فيجيب : " و ما كان هذا القرآن ان يفترى من دون الله ، و لكن تصديق الذى بين يديه ، و تفصيل الكتاب ، لا ريب فيه ، من رب العالمين " ( 37 ) . يرد تهمة الافتراء بأن القرآن " تفصيل الكتاب " و " تصديق " له ، " بامر " من رب العالمين ( الدخان 1 – 5 ) . و هو اذا ما سمى " التفصيل " القرآنى " تنزيلا " ، فلأنه تفصيل التنزيل الكتابى : " و هو الذى انزل اليكم الكتاب مفصلا ، و الذين اتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق ، فلا تكونن من الممترين " ( الانعام 114 ) . فاهل الكتاب لا يستطيعون ان يعملوا و ان يشهدوا لتنزيل و تفصيل من السماء ، بل لتفصيل التنزيل الموجود معهم و يتم على الارض بامر الله . و بعد رد الافتراء ببيان حقيقة القرآن أنه " تفصيل الكتاب " ، يتحداهم " بسورة مثله " : " ام يقولون : افتراه ! – قل : فاتوا بسورة مثله ، و ادعوا من استطعتم من دون الله ، ان كنتم صادقين " ( 38 ) . ان التحدى للمشركين ، فهو نسبى محدود ، و بما انه " تفصيل الكتاب "

معجزة القرآن ٦١

فالتحدى بالهدى ، لا باعجاز الخطاب و البيان ، و هداه من هدى الكتاب الذى يفصله ، فليس فيه معنى المعجزة ، و هو ينتظرها معهم ( 20 ) . لذلك ظلوا يكذبونه حتى شك من نفسه و من امره ، فيحيله وحيه الى اساتذته من اهل الكتاب : " فإن كنت فى شك مما أنزلناه اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك ! لقد جاءك الحق من ربك ، فلا تكونن من الممترين ! و لا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين " ( 94 – 95 ) . تلك الصورة النفسية و الايمانية ، بعد التحدى باعجاز القرآ، " بسورة مثله " ، دليل على أن محمدا نفسه لم يعتبر اعجاز القرآن الذى يتحدى به معجزة له ، فالشك مع الايمان و المعجزة لا يجتمعان فى نفس نبى ! فردع محمد عن الشك ثم عن الشرك كما فى قوله : " و امرت أن أكون من المؤمنين ، و أن أقم وجهك للدين حنيفا ، و لا تكونن من المشركين " ( 104 – 105 ) هما برهان قاطع على ان الله لم يجعل القرآ، دليلا على النبوة .

و فى ( هود ) ، الثانية و الخمسين ، تتطور الازمة الايمانية فى نفس محمد الى تركه بعض الوحى : " فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك ، و ضائق به صدرك ، ان يقولوا : لولا انزل عليه كنز ! أو جاء معه ملك ! – انما انت نذير ، و الله على كل شىء وكيل " ( 12 ) . فمحمد نذير " بتفصيل الكتاب " للعرب ، و ليس بنى مطلع على الغيب ، أو رسول بمعجزة . انما هو نبى و رسول ، بنبوة الكتاب و رسالته . فاذا رد على اتهام المشركين له بالافتراء : " أم يقولون : افتراه ! قل : فاتوا بعشر سور مثله مفتريات ، و ادعوا من استطعتم من دون الله ، ان كنتم صادقين ! فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله ، و ان لا اله الا هو ، فهل انتم مسلمون " ( 13 – 14 ) – فهو انما يتحداهم بمطابقة القرآن للكتاب : "افمن كان على بينة من ربه – و يتلوه شاهد منه ، و من قبله كتاب موسى إماما و رحمة – أولئك يؤمنون به . و من يكفر به من الاحزاب فالنار موعده " ( 17 ) . و هذه المطابقة يشهد بها اهل الكتاب : " و يتلوه شاهد منه " ، كقوله : " و شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله " ( الاحقاف 10 ) ، " و من قبله كتاب موسى إماما و رحمة " : براهين ثلاثة تدل على صحة المطابقة بين القرآن و الكتاب ، فليس من افتراء فى دعوة محمد . و لكن ليس من معجزة فيها ، و لا من اعجاز يعتبر معجزة ، لأن الاعجاز الاول للكتاب الامام : " و من قبله كتاب موسى اماما " . و لو كان القرآن دليل النبوة ، لما شك النبى فى امره : " فلا تك فى مرية منه : انه الحق من ربك ، و لكن اكثر الناس لا يؤمنون " ( 17 ) . فاذا كان اعجاز القرآن لم يرفع الشك حتى الآن من