٦٤ معجزة القرآن

( 87 – 88 ) . ثم يقول : " أولئك الذين آتيناهم الكتاب و الحكم ( الحكمة ) و النبوة – فإن يكفر بها هؤلاء ، فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها كافرين – أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتد " ( 89 – 90 ) . شهادة أخرى ناطقة : الاعجاز هو التحدى بالهدى . إن القرآن و نبيه يقتديان بهدى الكتاب و أهله ، فهما تابع ، لا متبوع ، و هذا التصريح يؤيد قول القائلين : ان الله لم يجعل القرآن دليل النبوة .

و من هم الذين على محمد أن يقتدى بهداهم ليكون على صراط مستقيم ؟ هم " أولئك الذين آتيناهم الكتاب و الحكم و النبوة " ( 89 ) . " الحكم " يعنى " الحكمة " ( الجلالان ) ، فقد أخذ التعبير العبرى على حرفه . فهو يقتدى بهم حتى فى تعبيره . ثم ان " الحكمة " فى اصطلاح القرآن كناية عن الانجيل كقوله : " و لما جاء عيسى بالبينات قال : قد جئتكم بالحكمة " ( الزخرف 63 ) أى " شرائع الانجيل " ( الجلالان ) ، " و آتيناه الانجيل فيه هدى و نور " ( المائدة 46 ) ، و كما يظهر من هذا الترادف المتواتر : " و يعلمه الكتاب و الحكمة – و التوراة و الانجيل " ( آل عمران 48 ) ، " و اذ علمتك الكتاب و الحكمة – و التوراة و الانجيل " ( المائدة 110 ) . فمحمد يقتدى بأهل الكتاب و الانجيل ، " و يعلمهم الكتاب و الحكمة " ( البقرة 129 ، آل عمران 164 ، الجمعة 2 ) ، على طريقة الذين يقيمون " التوراة و الانجيل " معا ( المائدة 66 و 68 ) و هم النصارى من بنى اسرائيل ، الذين يسميهم فى اصطلاحه المتواتر " أولى العلم " المقسطين ، أو " الراسخين فى العلم " . فالقرآن دعوة " نصرانية " .

و هذه الدعوة هداه اليها ملاك الله فى رؤيا غار حراء ، و أمره بقراءة " الكتاب و الحكمة " على العرب . فدرس و درَس ، و اهتدى و هدى . و يعلم اهل مكة ذلك ، و القرآن يصرح به : " و ليقولوا : درست ! – و لنبيه لقوم يعلمون " ( 105 ) . فلا يرد التهمة ، بل يؤكدها ببيان غايتها . انه درس ليدرس ، " و يعلمهم الكتاب و الحكمة " ، لأنهم هم غفلوا عن دراستهما : " أن تقولوا : إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ، و إن كنا عن دراستهم لغافلين " ( 156 ) . و هذان الاقرار و التقرير بالدرس يهدمان أسطورة أمية محمد ، و ما بنى عليها من اعجاز و معجزة .

و ما القرآن العربى سوى " تفصيل الكتاب " ( يونس 37 ) ، و تصديقه : " و هذا كتاب أنزلناه مبارك ، مصدق الذى بين يديه ( قبله ) ، و لتنذر أم القرى و من حولها ، و الذين يؤمنون

معجزة القرآن ٦٥

بالآخرة يؤمنون به " ( الانعام 92 ) . فهو يعود دائما إلى تأييد " النصارى " له و شهادتهم معه ، كما طلبوا منه معجزة و عجز عنها : " اقسموا بالله جهد ايمانهم : لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها ! – قل : إنما الآيات عند الله " ! ( 109 ) . و على انتظارهم الملح لمعجزة يجيب بفلسفة الايمان بدون معجزة : " هل ينظرون الا أن تاتيهم الملائكة ، أو يأتى ربك ، أو يأتى بعض آيات ربك ! – يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها ! لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت فى ايمانها خيرا " ! مع ذلك فهو ينتظر : " قل : انتظروا ، إنا منتظرون " ( 158 ) . انك تشعر بحرج النبى من عجزه عن معجزة تؤيده ، و يتردد فى قبول هذا القدر المحتوم ( الاسراء 59 ، الانعام 35 ) .

فلا المعجزة تؤيده ، و لا الاعجاز القرآنى ينفعه ، فقد تجرأ احدهم على القول : " سأنزل مثل ما انزل الله " ( 93 ) . إنه قول ظالم يستحق عذاب الموت و النار ، لكن جرأهم عليه عجزه عن معجزة حتى شك من أمره : " أفغير الله ابتغى حكما ، و هو الذى انزل اليكم الكتاب مفصلا ، و الذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ، فلا تكونن من الممترين ! و تمت كلمات ربك صدقا و عدلا ، لا مبدل لكلماته " ( 114 – 115 ) . فالشهادة على صحة الدعوة القرآنية هى مطابقتها للكتاب ، " لا مبدل لكلماته " ، و ذلك بشهادة اهل الكتاب انفسهم . و حقيقة القرآن العربى هى فى هذا التعريف : " هو الذى أنزل اليكم الكتاب مفصلا ... لا مبدل لكلماته " . فليس هو " تفصيل الكتاب " ( يونس 37 ) الذى فى السماء ، إذ لا يستطيع أحد أن يشهد بذلك ، بل " تفصيل الكتاب " الذى عند اهل الكتاب ، كما يستطيعون أن يشهدوا بذلك : " و شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله " ( الاحقاف 10 ) ، و شهادتهم هى آية محمد الوحيدة ( الانعام 20 ، الرعد 43 ) .

و يسمى القرآن العربى منزلا لأنه " تفصيل الكتاب " المنزل من قبله ، فهو تنزيل لأنه تفصيل التنزيل الكتابى : " و تمت كلمات ربك صدقا و عدلا ، لا مبدل لكلماته " ، إنه " الكتاب مفصلا " أى معربا ( قابل حم فصلت 44 ) . فليس فى القرآن من وحى جديد ، و لا من معجزة . إنما هو " تفصيل الكتاب " كما يشهد له أهل الكتاب . هذا هو الواقع القرآنى فى سورة ( الانعام ) الطويلة .

فى ( الصافات ) ، السادسة و الخمسين ، يتحداهم فى جدالهم : " أم لكم سلطان مبين ، فاتوا بكتابكم ، إن كنتم صادقين " ( 156 – 157 ) . و فى ( لقمان ) ، السابعة و الخمسين ،