٦٦ معجزة القرآن

نعرف أن السلطان المبين الذى به يستعلى عليهم هو الكتاب المقدس المنير : " و من الناس من يجادل فى الله بغير علم و لا هدى و لا كتاب منير " ( 20 ) . أما محمد ، يجادلهم بالعلم و الهدى بحسب الكتاب المنير . فآيته فى دعوته هى انتسابه الدائم الى الكتاب و أهله من " أولى العلم " أى " النصارى " . يؤيد ذلك قوله فى ( سبأ ) ، الثامنة و الخمسين : " و يرى الذين أوتوا العلم الذى أنزل اليك من ربك هو الحق ، و يهدى الى صراط العزيز بين يديه " أى قبله ( 31 ) . فيستعلى عليهم بالكتب المنزلة التى يدرسها من دونهم : " و ما آتيناهم من كتب يدرسونها ! و ما أرسلنا اليهم قبلك من نذير " ( 44 ) . و فى ( الزمر ) ، التاسعة و الخمسين ، يستعلى عليهم أيضا بانتسابه الى " أولى العلم " : " قل هل يستوى الذين يعلمون ، و الذين لا يعلمون " ! ( 9 ) – يجب أن يفهم التعبير على اصطلاحه لا على لغته كما يتوهمون . تلك هى شهادته الدائمة على صحة دعوته . و فى – حم غافر ) السورة الستين ، يكرر ذلك : " و لقد آتينا موسى الهدى و أورثنا بنى اسرائيل الكتاب " ( 53 ) . بنو اسرائيل طائفتان : يهود و نصارى ، و الدعوة القرآنية تأييد للنصارى من بنى اسرائيل على عدوهم اليهود ( الصف 14 ) . فبانتماء محمد إلى " أولى العلم " هؤلاء ، يجادل المشركين بسلطان ، و هم يجادلون بغير سلطان ( 56 ) . يصرون على المعجزة فيتهرب : " و ما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله " ( 78 ) . و الله لم يأذن لمحمد بمعجزة ( الاسراء 59 ) ، " و قد خلت سنة الأولين " بالمعجزات ( الحجر 13 ) .

فى ( حم فصلت ) ، الحادية و الستين ، يستعلى عليهم بانتسابه إلى الكتاب ، فى تعريفه بحقيقة القرآن العربى : " كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا " ( 3 ) ، فالقرآن العربى إنما هو " تفصيل الكتاب " ( يونس 37 ) . و فى قوله : " و لو جعلناه قرآنا اعجميا ، لقالوا : لولا فصلت آياته " ( 44 ) نرى ان التفصيل ، فى لغة القرآن ، يعنى التعريب . و هكذا فإن " تفصيل الكتاب " فى القرآن يعنى " تعريب الكتاب " . لكنهم لا يقبلون بهده الشهادة و يصرون على طلب معجزة ، فيقول : " انما بشر مثلكم يوحى الى انما الهكم اله واحد فاستقيموا اليه " ( 6 ) – لكن كل الرسل من قبله كانوا بشرا مثله و ايد الله رسالتهم بالمعجزة .

و فى سورة ( الشورى ) ، الثانية و الستين ، نرى معنى نبوة محمد و موضوع القرآن . فهذه هى نظرية القرآن فى النبوة و الوحى و مراتبهما : " ماكان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا ، أو من وراء حجاب ، أو يرسل رسولا فيوحى باذنه ما يشاء ، انه على حكيم . و كذلك أوحينا اليك

معجزة القرآن ٦٧

روحا من أمرنا : ما كنت تدرى ما الكتاب و لا الايمان ، و لكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا ، و انك لتهدى 1 إلى صراط مستقيم ، صراط الله " ( 51 – 53 ) . فطرق الوحى ثلاث : الوحى المباشر ، ثم الوحى من وراء حجاب بالتكليم ، ثم الوحى بواسطة ملاك رسول ، و هذه الثالثة أدنى طرق الوحى . و هى التى كانت من نصيب محمد فى غار حراء : أرسل الله اليه " روحا من امرنا " أى روحا مخلوقا ، من عالم الامر ، لا " روحا منه " تعالى كما فى المسيح ( النساء 171 ) . و هذا الملاك هدى محمدا إلى الايمان باكتاب لان الله جعل الكتاب نورا يهدى من يشاء من عباده الى الصراط المستقيم ، فى الايمان بالكتاب . فنبؤة محمد كانت هداية الى الايمان بالكتاب المقدس . فآمن و اهتدى و اخذ يهدى العرب الى التوحيد الكتابى : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا – و الذى أوحينا اليك – و ما وصينا به ابراهيم و موسى و عيسى : أن اقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه . كبر على المشركين ما تدعوهم اليه . الله يجتبى اليه من يشاء ، و يهدى اليه من ينيب و ما تفرقوا الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ، و لولا كلمة سبقت من ربك الى اجل مسمى لقضى بينهم ، و ان الذين اورثوا الكتاب من بعدهم لفى شك منه مريب . فلذلك فادع و استقم كما امرت و لا تتبع اهواءهم . و قل : آمنت بما انزل الله من كتاب ، و امرت لأعدل بينكم " ( 13 – 15 ) . فالدين الذى شرعه الله هو دين ابراهيم و موسى و عيسى معا بلا تفريق . فدين القرآن هو دين الكتاب . لذلك يقول : " آمنت بما انزل الله من كتاب " فنبوءة محمد هى الايمان بالكتاب المقدس ، كما اوحى اليه الملاك فى غار حراء ، و رسالته هى الدعوة الى دين موسى و عيسى معا ، و اقامة التوراة و الانجيل معا . و هذا ما كان يفعله النصارى من بنى اسرائيل ، من دون اليهود الذين اختلفوا " لما جاءهم العلم " بالانجيل ، لذلك " فان الذين اورثوا الكتاب من بعدهم ( يهود الحجاز فى زمن محمد ) لفى شك منه ( محمد ) مريب " ، و من دون المسيحيين من الاميين الذين يقيمون الانجيل من دون احكام التوراة . فالنصارى من بنى اسرائيل " أمة وسط " بين اليهودية و المسيحية ، و محمد على طريقة النصارى من بنى اسرائيل يدعو الى اقامة دين موسى و عيسى معا بلا تفرقة " لا نفرق بين احد منهم ، و نحن له مسلمون " . فالقرآن يشرع للعرب دين موسى و عيسى معا ( 13 ) فهو دعوة " نصرانية " . بذلك يعدل بين اليهودية و المسيحية فى صراعهما على الجزيرة العربية . و بايمانه " بالكتاب و الحكم


1 القراءة على المجهول أصح من قراءة " لتهدى " لأنها تنسجم مع السياق .