٧٨ معجزة القرآن

التوراة و الانجيل معا ، الى دين موسى و عيسى دينا واحدا . و تلك البينة بأنه " يتلو صحفا مطهرة ، فيها كتب قيمة " تؤكد انتساب محمد الى كتاب على الارض ، لا الى كتاب محفوظ فى السماء ، فالقرآن العربى هو قراءة الكتاب المنزل قبله على العرب ، بلسان عربى مبين .

و فى ( الحج ) ، الثالثة عشرة ، مازال يجادل المشركين بهدى و علم الكتاب المنير ، " و من الناس من يجادل فى الله بغير علم و لا هدى و لا كتاب منير " ( 8 ) . فيطلبون منه معجزة حسية ، كعذابهم الموعود ( 47 ) فيجيب : " قل : يا أيها الناس ، إنما أنا لكم نذير مبين " ( 49 ) فليس عنده معجزة . لذلك " لا يزال الذين كفروا فى مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة ، أو يأتيهم عذاب يوم عقيم " ( 55 ) . ليس عنده سوى الآيات الخطابية : " و اذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف فى وجوه الذين كفروا المنكر ، يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا " ( 72 ) . و سورة ( الحج ) تسجل ضجة قامت فى المدينة بين الطوائف كلها بسبب تصريح القرآن بإمكانية إلقاء الشيطان فى تنزيل القرآن ، " ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم مرض ( المنافقين ) و القاسية قلوبهم ( المشركين ) و إن الظالمين ( اليهود ) لفى شقاق بعيد ، و ليعلم الذين أوتوا العلم ( النصارى ) أنه الحق من ربك ، فيؤمنوا به فتخفق له قلوبهم ، و ان الله لهاد الذين آمنوا ( جماعة محمد ) الى صراط مستقيم " ( 53 – 54 ) . فالنصارى من بنى اسرائيل " الذين أوتوا العلم " آمنوا بإحكام الآيات بعد إلقاء الشيطان فيها ، كما آمنوا بمتشابه القرآن ، لأن الدعوة القرآنية دعوتهم . لكن إمكانية إلقاء الشيطان فى الوحى تظل شبهة على الاعجاز فى التنزيل .

و فى ( الفتح ) ، السابعة عشرة ، يرى فى صلح الحديبية " فتحا مبينا " يؤكد " إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا ليؤمنوا بالله و رسوله " ( 8 – 9 ) . فرسالة محمد شهادة . و معجزة هذه الشهادة ظهور دينه على أديان الجزيرة : " هو الذى أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ، ليظهره على الدين كله ، و كفى بالله شهيدا . محمد ، رسول الله ، و من معه أشداء على الكفار ، رحماء بينهم " ( 28 – 29 ) . تكفيه شهادة الله بنصره فى الجهاد : فلا معجزة و لا اعجاز .

و فى ( الصف ) ، السورة العشرين ، يشيد بفتح شمال الحجاز حيث " أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ، ليظهره على الدين كله ، و لو كره المشركون " ( 9 ) ، و يشيد بالمعجزة التى بدأت جماعته تحبها : " و أخرى تحبونها : نصر من الله و فتح قريب ، و بشر المؤمنين " ( 13 ) .

معجزة القرآن ٧٩

فالفتح بالنصر لإظهار الاسلام على الدين كله هى المعجزة التى انتهت اليها الدعوة و النبوة . سيكرر ذلك مرة ثالثة فى ( براءة 33 ) . شعار واحد يردده ثلاث مرات : فى بدء النصر على قريش ، و فى النصر على يهود الشمال ، و فى النصر على العرب المسيحين فى أطراف الشام . هذا ما رأى فيه اعجاز القرآن و معجزة النبوة .

و فى سورة ( الصف 14 ) مفتاح لفهم سر الدعوة القرآنية – بعد محاربة الشرك . فى مكة قال : " إن هذا القرآن يقص على بنى اسرائيل أكثر الذى هم فيه يختلفون " ( النمل 76 ) . و فى المدينة ، بعد النصر على اليهودية فى الشمال ، يكشف سر دعوته : " يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ، كما قال عيسى ، ابن مريم ، للحواريين : من أنصارى الى الله ؟ قال الحواريون : نحن أنصار الله . فآمنت طائفة من بنى اسرائيل ( هم النصارى = الأنصار ) ، و كفرت طائفة ( اليهود ) فأيدنا الذين آمنوا ( النصارى ) على عدوهم ( اليهود ) فأصبحوا ظاهرين " . فالنصارى فى لغة القرآن هم حصرا من بنى اسرائيل . و هكذا عرفوا فى التاريخ . و من الجهل بالتاريخ و القرآن تسمية المسيحيين نصارى . و الآية شاهد على أن الدعوة القرآنية قامت فى الجزيرة العربية انتصارا للنصرانية الإسرائيلية المؤمنة بالمسيح على اليهودية الكافرة به . فبالدعوة و الجهاد تم النصر و الفتح لهذه النصرانية . فالآيتان ( النمل 76 و الصف 14 ) هما البرهان القاطع على أن الدعوة القرآنية " نصرانية " .

و انظر تفسير الجلالين فى التعريف بتلكما الطائفتين – و هو مثال لتفاسيرهم : " فآمنت طائفة من بنى اسرائيل بعيسى و قالوا إنه عبد الله رفع الى السماء ، ( و كفرت طائفة ) لقولهم انه ابن الله رفعه اليه . فاقتتلت الطائفتان ، فقوينا الطائفة المؤمنة على الطائفة الكافرة فأصبحوا غالبين " . هذا جهل بالتاريخ و العقيدة . و هم معذورون لجهلهم حقيقة " النصارى " بعد أن أسهموا فى نشأة الاسلام و ذابوا فيه ، و اندثر وجودهم و خبرهم . مع ان القرآن شاهد ناطق بوجودهم و عملهم على عهده . فالطائفة الكافرة بالمسيح من بنى اسرائيل لم يقبلوا البتة و لم يقولوا " انه عبد الله رفع الى السماء " فهذا اعتراف منهم بأن المسيح أتى . و الطائفة المؤمنة بالمسيح من بنى اسرائيل لم يقولوا البتة " انه ابن الله رفعه اليه " . هذه مقالة المسيحية . و تلك مقالة النصرانية و القرآن . فلا ذكر على الاطلاق للمسيحية فى آية ( الصف 14 ) . و الجلالان و صحبهما ينسبون الى النصرانية عقيدة المسيحية .

و فى سورة ( الحديد ) ، الحادية و العشرين ، ينشد نشيد الحمد على فتح مكة ، عاصمة الشرك ، بمعجزة الحديد : " لقد أرسلنا بالبينات ، و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم