٩٤ معجزة القرآن

لأن حقيقة كلام الإنسان مهما سمت لا يمكن أن تتمتع بعصمة كلام الله ، و حكمها و حكمتها بحكم و حكمة كلام الله . و الحقيقة المطلقة فى الكلام المخلوق لا تجعله فى ذاته كلام الخالق ، فلابد من بينة خارجة عن الكلام ذاته تدل على أنه كلام الله و أن النبى صادق فى نقله عن ربه ، و هذه هى المعجزة النى يشهد بها الله لنبيه . و لنا عودة الى هذا الموضوع كله .

ثالثا : موقف بعض المعاصرين الرجعيين

يقول عبد الرازاق نوفل 1 : " و معجزاته القولية و الفعلية أكثر من معجزات جميع الأنبياء من آدم الى سيدنا المسيح مجتمعة " .

و لا عجب فى ذلك فقد سبقه حجة الاسلام ، الغزالى ، كما نقلناه عنه .

فما ينسبونه إلى محمد من معجزة فى القرآن و الحديث ، " من المتأكد أنه ليس لهم سند من قرآن صريح أو حديث صحيح " ، " و ليست هناك معجزة يؤكدها خبر قطعى ، مما نسب الى رسول الله " – كما نقلنا عن الاستاذ عبد الله السمان . و قد نقلنا حملته الصادقة على أهل الحديث ، و على أهل السيرة ، و على أهل التفسير ، الذين يضللون المسلمين ، و يثيرون سخرية المثقفين .

و كم هو منطقى وواقعى قول إمام الأزهر ، الشيخ المراغى 2 : " و من الحق ان المسلمين قد بلغ اختلافهم بعد وفاة النبى حدا دعا الدعاة فيهم الى اختلاف الآلاف المؤلفة من الأحاديث و الروايات ، حتى قال على : ما عندنا كتاب نقرأه عليكم إلا ما فى القرآن ، و ما فى هذه الصحيفة أخذتها من رسول الله فيها فرائض الصدقة ... أما مضرة الروايات التى لا يقرها العقل و العلم فقد أصبحت واضحة ملموسة ... و لقد كان صلعم حريصا على أن يقدر المسلمون أنه بشر مثلهم يوحى اليه ، حتى كان لا يرضى أن تنسب اليه معجزة غير القرآن ، و يصارح أصحابه بذلك ... فالقرآن وحده معجزة محمد " .

سنرى فى القسم الثانى هل يعتبر القرآن اعجازه معجزة له ، بل هل يصح اعتماد اعجاز القرآن معجزة له .


1 محمد رسولا نبيا ، ص 153 .
2 فى ( حياة محمد ) لحسين هيكل : تقديم الطبعة الثانية ، ص 50 – 54 .
معجزة القرآن ٩٥

و سنرى فى هذا الفصل رأى أدعياء العلم و التفسير الذين يرون معجزات و غيبيات فى " كونيات " القرآن و مطابقتها لاختراعات العلم العصرى . يكفيهم ردا قول الاستاذ عبد الله السمان ، الذى نقلناه .

و هكذا ثبت لدينا ، موقف القرآن السلبى من كل معجزة تنسب إلى محمد ، و من شهادة أهل العلم الصادقين ، أنه ليس فى الحديث و السيرة من معجزة .

بحث ثالث

قالوا ذكر القرآن لمحمد معجزات

لقد ثبت لنا ، مما تقدم من واقع القرآن و شهادة أئمة الاسلام فى عصرنا ، أنه لا معجزة فى القرآن ، سوى اعجازه " فى حسن تأليفه و عجيب نظمه " كما قال الباقلانى .
لكن ، بسبب شعور القوم الفطرى بأن المعجزة الحسية هى دليل النبوة الأوحد ، و أن القرآن وحده هو الخبر اليقين عن السيرة و الدعوة ، أخذوا يقبلون القرآن و يتدبرونه ليجدوا فيه معجزة . فوقعوا على بعض " آيات متشابهات " ، فانكبوا عليها يستدرجونها ليخرجوا منها معجزة تشهد بصحة النبوة و الدعوة . فوجدوا فى القرآن مثل هذه المعجزات .

أولا : " أسطورة شق الصدر " 1

جاء فى مطلع سورة ( الشرح ) : " ألم نشرح لك صدرك ، ووضعنا عنك وزرك ، الذى أنقض ظهرك ، و رفعنا لك ذكرك " ( 1 – 4 ) .

و المتبادر الى الذهن أن " شرح الصدر " تعبير مجازى يدل عليه ما بعده : فقد شرح النبى صدرا بوضع وزره عنه و رفع ذكره . فسرها الجلالان : " أى شرحنا لك يا محمد صدرك


1 التعبير للدكتور حسين هيكل : حياة محمد ، ص 72 .