١٠٢ معجزة القرآن

سورة الاسراء : " أو ترقى فى السماء : و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه ! – قل : سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا " ( 93 ) . فتحديهم له ، و اقراره بعجزه يقضيان قضاء مبرما على أسطورة المعراج ، بصريح القرآن . و القرآن نفسه يشترك فى تعجيز محمد عن أى فكرة عروج و معراج : " و ان كان كبر عليك اعراضهم ، فإن استطعت أن تبتغى نفقا فى الأرض ، أو سلما فى السماء ، فتأتيهم بآية " ( الانعام 35 ) – فافعل : المعنى أنك لا تستطيع ذلك " ( الجلالان ) . قوله : " سلما فى السماء " هو تعريف حرفى بالمعراج ، و نقض مبرم لحدوثه.

و القرآن نفسه يعتبر أن " الاسراء " كان " رؤيا للفتنة " و التخويف ، مثل رؤيا شجرة الزقوم فى قعر الجحيم : " و ما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناسو الشجرة الملعونة فى القرآن . و نخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا " ( الاسراء 60 ) . ففى السورة كلها ليس من رؤيا إلا " أسرى ليلا " ، فالاشارة فى الآية ( 60 ) تعود الى هذا الاسراء الذى تصفه السورة " برؤيا منامية " ، فليست بحادث تاريخى . يزيد ذلك يقينا مقابلتها مع رؤيا شجرة الزقوم فى قعر الجحيم ، و كلاهما رؤيا للتخويف ، لا للتحقيق : " و تخوفهم " . أبعد صريح القرآن ، نجرؤ على إقامة الأساطير ؟ ! و قوله " رؤيا ، و نخوفهم " يجعل تعبير " أسرى بعبده ليلا " تعبيرا مجازيا ، لا أمرا واقعيا .

و جل ما يقال فى آية الاسراء انها " رؤيا منامية " كالرؤيا المنامية التى رآها فى المدينة بدخوله الحرم : " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق : لتدخلن المسجد الحرام ، إن شاء الله ، آمنين محلقين روؤسكم و مقصرين ، لا تخافون " ( الفتح 27 ) . فكلاهما رؤيا منام ؟ لكن القرآن يصرح بأن الله " صدق رسوله الرؤيا بالحق " أى بالواقع فى دخوله مكة . لكن القرآن لا يصرح أبدا بتحقيق رؤيا الاسراء ، فظلت طيف ليل .

و ليس لتلك الرؤيا المنامية معنى المعجزة و لا معنى المكاشفة .

فلو كان لآية الاسراء معنى المعجزة لكان النبى أعطاها كمعجزة كلما تحدوه بمعجزة ، و طالما تحدوه . و السورة نفسها ترد على تحدياتهم بمعجزة ( 90 – 93 ) بالاقرار بالعجز عن كل معجزة : " قل : سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا " ( 93 ) و السورة نفسها تعلن منع المعجزة مبدئيا عن محمد : " و ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون " ( 59 ) . فهذان المنع الربانى و العجز المحمدى عن كل معجزة برهان قاطع أن ليس فى " الاسراء " من معجزة . فسورة الاسراء نفسها تنفى الاعجاز فى الحادث ، و المعنى الحسى فيه .

معجزة القرآن ١٠٣

و ليس فى " الاسراء " أيضا شىء من معنى المشاهدة أو المكاشفة ، فى قوله : " لنريه من آياتنا " ( الاسراء 1 ) ، " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " ( النجم 18 ) . فما رواه الحاكم فى ( المستدرك ) عن ابن عباس : " قال رسول الله صلعم رأيت ربى عز و جل " ، فإن عائشة تكذبه تكذيبا قاطعا ، باسم القرآن نفسه : " من قال إن محمدا رأى ربه فقد كذب : ألا ترى إلى قوله : و لا تدركه الأبصار " ! و القرآن كله " تنزيل " من " لوح محفوظ " بواسطة جبريل : فهو تنزيل بوسيط ووسط ، لا وحى مباشر ، و لا تكليم ، و لا كشف ، و لا مشاهدة . فليس فى رؤيا " آياتنا " ( الاسراء 1 ) أو رؤيا " آيات ربه الكبرى " شىء من معنى المشاهدة أو المكاشفة فى عالم الغيب ، أنما تقصد آيات عالم الشهادة أى الكون و الخلق ، كما هو الاسلوب المتواتر فى القرآن ، " اسلوب لفت النظر إلى الكون و ما فيه من آيات باهرة ، و البرهنة بها على وجود الله " و توحيده ، كما يقول دروزة 1 ، أو كما يصرح القرآن نفسه : " سنريهم آياتنا فى الآفاق و فى انفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " ( فصلت 53 ) . و أشد من ذلك وقعا أن فى السورة نفسها عتابا لمحمد بأنه كاد يركن " شيئا قليلا " الى فتنة المشركين له عن الوحى ( الاسراء 73- 75 ) ، و الى فتنتهم له عن التوحيد الخالص ( 110 – 111 ) ، فهذا الواقع المزدوج المرير لا يتفق مع المشاهدة أو المكاشفة " لآيات الله الكبرى " فى ذاته أو فى ملكوته السماوى ، و لا مع اسراء أو معراج !

و هناك واقع قرآنى لا يفطنون له : إن آية الاسراء نفسها لا تمت بصلة الى السورة ، فهى لا تمت الى ما بعدها بصلة ، حيث الآية التالية تبدأ قصة موسى . و روى الآية ذاته يختلف عن روى السورة كلها . و اختلافهم فى زمن حدوث " الاسراء " دليل على أن آيته ملصقة بالسورة . يؤيد ذلك أن آية الاسراء لا تمت أيضا الى ما قبلها بصلة ، لا فى النسق الحالى ( بعد سورة النحل ) ، و لا فى ترتيب النزول ( بعد سورة القصص ) . فآية الاسراء معلقة بالسورة تعليقا .

هل لنا أن نذهب الى أكثر من ذلك ؟ سمعت من بعض شيوخ العلم أن الحجاج بن يوسف ، عميل بنى أمية ، و الذى تم آخر اصدار للقرآن على يده – و ما أدراك ما الحجاج ! – قد يكون هو الذى دس الاسراء على السورة ، عند اصدار القرآن و إتلاف النسخ


1 سيرة الرسول 1 : 226.