١٠٠ معجزة القرآن

فى السابعة . مع أن القرآن جمع " ابراهيم و موسى و عيسى " معا ( الشورى 13 ) ، و ميز عيسى عن سائر الرسل بأنه " كلمته ألقاها الى مريم و روح منه " ( النساء 171 ) فهل يكون كلمة الله و روح الله أدنى من سائر الرسل ، فى السماء الثانية ؟ ! و ما هو هذاالمعراج الحسى كالسلم يصل ما بين الأرض و السماء السابعة ؟ و هل يعقل أن يفرض الله على أمة محمد خمسين صلاة فى اليوم ؟ و اذا فرض الله فريضة فهل يراجعه العبد فيها ؟ لقد استذوق القوم دس " الاسرائيليات " و أخذوا يتغنون بها !

و يا ليتهم اكتفوا بالاسراء النبوى الروحى الذى حصل لبعض المرسلين كبولس الرسول الذى " أسرى به الى السماء الثالثة ، أبالجسد أم بدون جسد ، لست أعلم ، الله يعلم " ، " قد أسرى به الى الفردوس و سمع كلمات معجزة لا يحل لإنسان أن ينطق بها " ( 2 كور 12 : 1 – 4 ) . لكنهم ارادوا أن يستجمعوا لمحمد ما وزعه الله على جميع الأنبياء : كما صلى موسى و إيليا مع المسيح و شهدا له حين تجليه . و فاتهم تصريح القرآن : " إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى ... " !

2 – أما الاسراء و المعراج بحسب القرآن فقد اختلفوا فيها اختلافا كبيرا . قال الزمخشرى عن الحادث نفسه : " و اختلفوا فى وقت الاسراء . فقيل كان قبل الهجرة بسنة . و عن أنس و الحسن أنه كان قبل البعثة " . فما معنى المعجزة قبل البعثة ؟ و كيف يكون اسمى الوحى فى المعراج ، و لم يبعث محمد بعد ؟

" و اختلف فى أنه كان فى اليقظة أم فى المنام . فعن عائشة : " و الله ما فقد جسده ، و لكن عرج بروحه " . و عن معاوية أنه عرج بروحه . و عن الحسن كان فى المنام رؤيا رآها . و أكثر الأقاويل بخلاف ذلك " – و هذه الخلافات تثير الشبهات على الحادث نفسه .

و قال الاستاذ دروزة 1 فى هل يصح اعتبار الاسراء كما وصفه القرآن معجزة : " و اذا ما دققنا فى مدى آية الاسراء ، وجدنا أن الاسراء النبوى الذى أشارت اليه الآية لم يكن جوابا على تحد ، و انما كان حادثا خاصا بالنبى صلعم ليريه من آياته . و أنه لم يدركه و لم يشعر به غيره . و استطعنا بالتالى أن نقول : إنه لا يدخل فى مدى اصطلاح المعجزة ، و لا


1 سيرة الرسول ، 1 : 227 – 228 .
معجزة القرآن ١٠١

يصح أن يعد و الحالة هذه ناقضا للموقف السلبى العام . و نصل الى النتيجة نفسها إذا ما دققنا فى مدى آيات ( النجم 13 – 18 ) التى قال بعض المفسرين إنها تضمنت خبر المعراج النبوى . و هذا بغض النظر عما هناك من أقوال و روايات مختلفة فى كيفية و ظروف الحادثتين . حيث هناك روايات بأن كليهما رؤيا منامية ، أو أنهما كانا فى اليقظة و الجسد و الروح أو بالروح دون الجسد . أو بأن الاسراء كان باليقظة و الجسد و الروح ، دون المعراج الذى كان مناما أو كان بالروح . أو بأن حادث المعراج النبوى لم يقع ، و انما الواقع الثابت هو حادث الاسراء ، أو بأن الاسراء كان فى وقت ، و المعراج فى وقت آخر ، أو بأنهما كانا فى ظرف واحد . و بأنهما وقعا فى أوائل البعثة ، و فى أواسطها ، بل هناك قول بأنهما وقعا قبل البعثة بسنة " .

إن الخلاف قائم فى أساس الحادث و فهمه ، فهو مشبوه ، و لا تقوم معجزة على مشبوه . و القرآن لا يذكر المعراج ، و لا يجعل الاسراء الليلى معجزة له .

3 – و عندنا أن الدلائل القرآنية تنقض المعجزة فى الحادث ، و تنفى الحادث نفسه بمعناه الحسى .

النص يقول حرفيا : " سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصا " . فالتعبير " أسرى ليلا " يدل على أنه " رؤيا منامية " ، لا حادث تاريخى . و التعبير الآخر " الى المسجد الاقصا " ينقضه التاريخ العام ، فجميع التواريخ تشهد بأنه لم يكن فى بيت المقدس ، على أيام محمد ، مسجد أقصى غير كنائس النصارى . و ما يسمى " المسجد الاقصى " بدأ بناءه عبد الملك بن مروان . فإن هيكل سليمان ، الى الغرب من الصخرة الشهيرة ، كان قد هدمه الرومان فى القرن الأول الميلادى ، فى حرب السبعين ، و لم تقم له قائمة ، حتى بناه بنو أمية . فإلى أى مسجد أسرى بمحمد ؟ هل أسرى به الى كنائس المسيحيين ، و لم يكن فى بيت المقدس حينئذ سواها ، ليرى فيها " من آيات ربه الكبرى " ؟

و اذا كان لالااسراء فى الآية أساس لغوى ، فليس فى آيات ( النجم 13 – 18 ) من أساس للمعراج فى الاطلاق : فإنها تصف نزول القرآن على محمد فى غار حراء ، فى " ليلة مباركة " ، " ليلة القدر " ، " من شهر رمضان " – فالقرآن كله ينقض قصة المعراج . " تنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين " ( الشعراء 192 – 193 ) بوسيط ووسط . فالتعابير الحرفية تنقض تعابير العروج و المعراج . و ما توهموه فيها من عروج و معراج تنقضه الآية فى