١١٤ معجزة القرآن

بل " هناك ابتلى المؤمنون و زلزلوا زلزالا شديدا " ( الأحزاب 11 ) . و لم يتم النصر بمعركة ، بل تم بفشل حصار المشركين للمدينة . لقد فوجىء المشركون ، فى زحفهم على المدينة ، بالخندق الذى أشار بحفره سلمان الفارسى " النصرانى " . و لا عهدة للعرب بمثلها . فوقفوا تجاهه جامدين .

و تم الفشل بهذين السببين : " يا أيها الذين آمنوا ، اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود ، فأرسلنا عليهم ريحا ، و جنودا لم تروها ، و كان الله بما تعلمون بصيرا " ( 9 ) .

علق عليها الاستاذ السمان 1 : " إن نزول الملائكة ، فى حد ذاته ، لا يعتبر معجزة . لأن المعجزة أمر خارق للعادة يجريه الله على يدى رسوله ، و تراه العين للرد على التحدى ، أو للدليل على أن رسالته حق . و الملائكة لم يرها الكفار حتى تكون آية عليهم ، و لم يرها المسلمون حتى تكون تثبيتا لإيمانهم . و لذلك أكد القرآن فى الآية : ( و أيدكم بجنود لم تروها ) .

" و الريح التى أرسلها الله فى يوم الخندق ، من الحوادث العادية التى يمكن حدوثها فى أية ساعة ، و ان كان الله عز و جل جعلها فى هذه المرة وسيلة لهزيمة الأعداء " .

لكن السبب الأكبر ، بعد حفر الخندق ، فى فشل الغزو كانت مهارة محمد فى الايقاع بين الاحزاب ، كما نقلته سيرة ابن هشام على ابن اسحاق . فلما جاءه نعيم بن مسعود مسلما ، أوصاه أن يكتم إسلامه ورده الى المشركين يوقع بينهم . و قال له : " إنما أنت فينا رجل واحد فخدل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة " . فقام نعيم الى يهود بنى قريضة ثم الى قريش و عطفان فأخلف بينهم . و قد كانوا توافقوا على أن يطبقوا من داخل و من خارج على المسلمين ، ففشلت خطتهم . و أفلح محمد فى فصم عرى التحالف بين الاحزاب المجتمعة فتخاذلت و ارتحلت . و كان شعار محمد فى هذه الدبلوماسية : " الحرب خدعة " . و هذا حديث صحيح متواتر رواه الشيخان من حديث جابر و أبى هريرة . لكن الخدعة فى الحرب ليست معجزة .

فليس فى فشل الغزو حادث خارق للعادة ، و لا سبق به التحدى دليلا على النبوة ، و لا هو سالم من المعارضة . كان براعة من محمد لا معجزة من الله . و قد يكون فى الريح أو الجدرى عناية إلهية ظرفية ، لا معجزة للتحدى و إثبات النبوة .


1 محمد ، الرسول البشر ، ص 84 .
معجزة القرآن ١١٥

3 – الفتح الأكبر ، فتح مكة ، عاصمة الشرك العربى

بعد فتح مكة نزلت سورة ( الحديد ) بنشيد النصر ، و جاء فيها : " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط ، و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد ، و منافع للناس ، و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب . إن الله قوى عزيز " ( 25 ) .

لقد أخذ القرآن منذ نصر بدر يرى فى " الحديد " أى السيف آيته الكبرى .

فهل فى فتح مكة حادث خارق للعادة ، سبق به التحدى ، و هو سالم عن المعارضة ، حتى يصح ما زعمه بعضهم أنه معجزة النبوة والرسالة؟

 قال محمد الغزالى 1 : " ان فتح مكة جاء عقب ضربة خاطفة . و لقد أفلحت خطة حتى يصح ما زعمه بعضهم أنه معجزة النبوة و الرسالة ؟ المسلمين فى تعمية الأخبار على قريش ، حتى بوغتوا فى عقر دارهم بعشرة آلاف محارب ، فلم يجدوا مناصا من الاستسلام ، فما استطاعوا الجلاد ، و لا استجلاب الأمداد " . لكن زعماء مكة كانوا قد أدركوا الخطر . فخرج العباس بن عبد المطلب ، عم النبى ، يريد الاسلام ، و خرج زعيم مكة أبو سفيان ، ابن عم محمد ، و عبد الله بن أبى أمية ، ابن عمة محمد ، يستدركان الأمور . فاستعرض أبو سفيان معسكر المسلمين فوجد أن لا طاقة لهم بحرب الرسول ، فاستسلم و أسلم . و اجتمع بالعباس فقال له : " و الله يا أبا الفضل ، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما . قال العباس : يا أبا سفيان ، إنها النبوة ! قال : فنعم إذن " ! فأبو سفيان يرى فى المشهد ملكا لا نبوءة . و سألوا محمدا الأمان لقريش ، فقال رسول الله ، كما فى حديث صحيح : " من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ! و من دخل المسجد فهو آمن ! و من أغلق عليه بابه فهو آمن " ! فذهب أبو سفيان ، قبل دخول الجيش مكة ، ينادى فيها : يا معشر قريش ، هذا محمد جاءكم بما لا قبل لكم به ! فتخاذل القوم . ثم أخذ أبو سفيان يصيح بالناس : " من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ! و من دخل المسجد فهو آمن ! و من أغلق عليه بابه فهو آمن " ! – فتفرق الناس إلى دورهم و إلى المسجد . فدخل جيش المسلمين مكة آمنين مطمئنين ، بدون . ان فتح مكة كان كثرة جيش ، و براعة مناروة ، و تخاذل قادة أمام حرب أهلية ، و عبقرية عسكرية من محمد ، لا معجزة من الله .


1 فقه السيرة ، ص 419 .