١٥٤ معجزة القرآن

عليه السلام ، و برهانا على صحة رسالته و صدق دعوته " كما نقلنا عنه . و جاء الاستاذ العقاد ، فى كتاب المؤتمر الاسلامى ( حقائق الاسلام و أباطيل خصومه ، ص 59 ) فأكمل النظرية : كانت الرسالة المحمدية " غير مشروطة بما غبر فى الأوهام من قيام النبوة كلها على دعوى الخوارق و الإنباء بالمغيبات " . فالمعجزة و الإنباء بالغيب أمسيا " من الأوهام " فى البرهان على النبوة . و هكذا ظنوا أنهم تخلصوا من مرارة الواقع القرآنى " و موقفه السلبى من كل معجزة " لمحمد . لكن هذا الواقع الخطير المرير قد ألجأهم الى منطق غير مقبول .

إن قولهم بعدم ضرورة المعجزة لصحة النبوة ينقصه صريح الكتاب و الانجيل و القرآن ، حيث المعجزة دليل النبوة الأوحد ، كما نقلنا فى صدر هذا الكتاب . فالقرآن نفسه – الذى يعلن منع المعجزة مبدئيا عن محمد ( الاسراء 59 ) و عجزه واقعيا عنها ( الاسراء 93 ) – يصرح أيضا أن المعجزة " سنة الأولين " من النبيين ( الكهف 55 ) ، و فيها " السلطان المبين " دليلا على صحة رسالتهم و صدق دعوتهم ( غافر 23 ) . و هذه السنة الإلهية فى النبوة لن تتحول و لن تتبدل : " فهل ينظرون إلا سنة الأولين : فلن تجد لسنة الله تبديلا ، و لن تجد لسنة الله تحويلا " ( فاطر 43 ) . فالتنكر لضرورة المعجزة لصحة النبوة نقض مفضوح لنص القرآن القاطع الصريح .

و ذلك القول عند علماء العصر ينقض أيضا ما تواتر فى علم الكلام عند أهل التوراة و أهل الانجيل و أهل القرآن ، خصوصا عند المتكلمين المسلمين . فقد ظلوا على الدوام ينادون بأن المعجزة دليل النبوة الأوحد . و قد فلسف الجوينى ذلك فى ( الارشاد ، ص 331 ) كما نقلنا عنه فى صدر الكتاب : " لا دليل على صدق النبى غير المعجزة . فإن قيل : هل فى المقدور نصب دليل على صدق النبى غير المعجزة ! – قلنا : ذلك غير ممكن " . فعلم الكلام فى جميع الأديان يثبت : أن لا نبوة بدون معجزة .

و هذه الضرورة حملت علماء الكلام – و قد شاهدوا فراغ القرآن من كل معجزة حسية على ابتكار معجزة ( اعجاز القرآن ) دليلا على نبوة النبى العربى . و هذا ما يقول به علماؤهم إلى يومنا . و هكذا فهم يناقضون أنفسهم بأنفسهم : أنهم ينفون ضرورة المعجزة ، مع أنهم يقومون اعجاز القرآن معجزة له كما يقول شيخهم ، حسين هيكل : " إن كتاب الله هو وحده معجزة محمد " 1 . هذا ما كان يقوله أصحاب نظرية ( إعجاز القرآن ) ، مثل شيخهم


1 حياة محمد ، ص 52 و 57 .
معجزة القرآن ١٥٥

الباقلانى 1 : " الذى يوجب الاهتمام التام بمعرفة اعجاز القرآن أن نبوءة نبينا عليه السلام بنيت على هذه المعجزة " .

فتنكرهم لضرورة المعجزة هو إنكار لإعجاز القرآن نفسه كمعجزة .

2 – أصحيح أنه " ليس للمعجزات حجية " ؟

هذا ما تعلمه الدكتور نظمى لوقا من مشايخه العصريين . و قد أعطى الاستاذ دروزة السبب الكلامى : كانت الدعوة القرآنية " فى غنى عن معجزات خارقة للعادة ، لا تتصل بها بالذات " .

أجل أن المعجزة الإلهية التى تشهد للنبى بصدقه فيما يبلغ عن ربه ، لا توضح ذاتها الحقيقية أو الرسالة فى نفسها ، فإنها " لا تتصل بها بالذات " .

و لكن الحقيقة ، سواء كانت منزلة أو بشرية ، هى حقيقة فى ذاتها . فما الضامن أنها من عند الله ؟ لا يمكن أن يكون الضامن من ذاتها – و حينئذ تلتبس علينا الحقيقة الإلهية و الحقيقة البشرية – فلابد لها من قرين معجز يدلنا على مصدرها الإلهى . قال الإمام الجوينى فى ( الارشاد ، ص 331 ) : " ليس فى المقدور نصب دليل على صدق النبى غير المعجزة : فإن ما يقدر دليلا على الصدق لا يخلو ، إما أن يكون معتادا ، و إما أن يكون غير معتاد ، فإن كان معتادا ( كالحقيقة فى ذاتها ) يستوى به البر و الفاجر ، فيستحيل كونه دليلا ، و إن كان خارقا للعادة – و تعلق به دعوى النبى – فهو المعجزة بعينها " .

و هكذا فالحجية للمعجزة وحدها فى إثبات صحة النبوة من الله ، " و ليس فى المقدور نصب دليل على صدق النبى غير المعجزة " .

3 – هل تنقضى دلالة المعجزة بانقضاء زمانها ؟

قال الاستاذ دروزة 2 فى سبيل تفضيل ( اعجاز القرآن ) على معجزات الأنبياء الحسية ، و هو يغمز منها : " و فى هذا ما فيه من وضوح مزية الرسالة المحمدية و ترشحها للخلود و التعميم : و آيات الأنبياء السابقين الخارقة حادثات وقعت و انقضت " . و ردد تلميذهم


1 التمهيد ص 16 .
2 سيرة الرسول 1 : 226 .