١٨٨ معجزة القرآن

خاتمة

محمد لا يعلم الغيب ، فهو نبى بلا نبوءة غيبية

و فصل الخطاب فى ذلك أن التنبؤ المزعوم بالغيب – و هو غير الوحى – و أخبار الخلق ، والحديث عن الماضين ، و أوصاف اليوم الآخر ، ليست جميعا وجها من وجوه الاعجاز ، كما وهم الباقلانى و من تبعه . يقول الدكتور أحمد بدوى : " غير أن التنبؤ بالغيب و الحديث عن الماضين – إن اتخذا دليلا على نبوءة الرسول – لم يصلحا برهانا على إعجاز القرآن . ذلك ان معظم القرآن ليس تنبؤا و لا قصصا . فلو كان الوجه ما ذكر ، لفقد معظم القرآن صفة الاعجاز ، لأن التحدى وقع بأقصر سورة منه ، و هى لا تحوى من التنبؤ و القصص شيئا " .

هكذا ثبت لنا من التاريخ الصحيح و القرآن الصريح أنه ليس من اعجاز موضوعى فى قصص القرآن و أخبار الخلق فيه ، و أوصاف اليوم الآخر عنده ، و أنه ليس فى القرآن من نبوءات غيبية تدل على معرفة الغيب " الذى لا يقدر عليه البشر ، و لا سبيل لهم اليه " 1 .

فبرهان النبوءة الغيبية على أوجهها ،لا وجود له فى القرآن . يكفينا تصريحه القاطع عن نبيه : " و لا أعلم الغيب " ( الانعام 50 ) ، " و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت الخير ، و ما نسى السوء " ( الأعراف 188 ) .

فالقول الفصل : إن محمدا نبى ، بلا نبوءة غيبية – و هذا غير الوحى و التنزيل .


1 من بلاغة القرآن ، ص 50
  ١٨٩

الفصل الثالث

المعجزة الشخصية

توطئة عامة

نواحى الإعجاز فى الرجل و النبى و الرسول

تلك النواحى الثلاث ، ثلاثة أنواع من المعجزات . كل نوع منها ، إن صح حتى الإعجاز ، فهو شهادة إلهية لصاحبها . فلا يكفى أن يكون الرجل " أسوة حسنة " حتى نشهد له بمعجزة القداسة فى السيرة . و لا يكفى أن يكون " النبى " داعية لله ، و مبلغا " لرسالات " ربه حتى نعترف له بمعجزة النبوة . و لا يكفى أن يكون الرسول مؤسس دين حتى نقر له بمعجزة الرسالة . و التاريخ خير شاهد للفصل بين عمل من العبد ، و عمل معجز من قبل الله .

الإعجاز فى السيرة هو ما يسمونه فى الأديان معجزة القداسة . و هى معجزة أفضل من سائر المعجزات الحسية . و هى التى تجعل الرسول مثالا حيا لرسالته ، و " أسوة حسنة " لشريعته . فالبطولة فى الدعوة ، و العبقرية فى تكوين أمة ، لا تكفيان للشهادة بمعجزة القداسة .

إنشاء أو نشر دين قد يكون " نبوة " تنقل أمة من الشرك الى التوحيد . لكن للنبوة بالمعنى الحصرى صقات و أحوال ذاتية هى الإعجاز فى النبوة الذى يجعلها معجزة من الله ، لا