٢١٤ معجزة القرآن

ذلك " . فالهوى و الجمال كانا سبب زواجه من زينب بنت جحش ، الذى جعله يتخطى شريعة القرآن ، قبل نزول التحلة المطلقة ، و كان سببا فى إبطال التبنى ، العادة الرحيمة القائمة فى كل الشرائع عند جميع الشعوب ( الاحزاب 37 ) .

و السبب الآخر لهذين التجاوزين كان رفع الحرج عن محمد ، الحرج الشرعى و الحرج الشخصى ، و الحرج الاجتماعى ، فى تحليل النساء له بلا حد و لا قيد : " قد علمنا ما فرضنا عليهم فى أزواجهم و ما ملكت أيمانهم ، لكى لا يكون عليك حرج . و كان الله غفورا رحيما " ( الاحزاب 50 ) . ففى التحلة المطلقة الشاملة كان السبب الأول رفع الحرج عن النبى ، و السبب الثانى المغفرة للنبى لأنه تعدى العدد المفروض ، و الرحمة به : " و كان الله غفورا رحيما " . فذكر الغفران عند إباحة النساء له ، دليل على أنه فى زواجه من زينب ، و فى تعدد الزوجات ، كان ما يستوجب الغفران ، قبل التحلة .

و يؤيد هذا كله كما نقل الصحيحلن و كما جاء فى ( أسباب النزول ) قول عائشة فى زواج الهبة : " إن الله يسرع لك فى هواك " ، و قول عائشة أيضا لما نزلت التحلة من الشريعة القرآنية فى النكاح : " أرى ربك يسارع لك فى هواك " .

فتعدد الزوجات فى حياة محمد لأسباب سياسية و انسانية و شخصية ، لا يمنع أن يكون أيضا سببه الهوى و الجمال ، بنص القرآن القاطع : " و لو أعجبك حسنهن " .

ثانيا : من المشاكل التى نشأت عن استجابة الشريعة القرآنية

نقول : " إستباحة الشريعة القرآنية " ، لأننا لا نعلم بالتدقيق زمن نزول آية التحلة المطلقة ( الاحزاب 50 ) . و الظاهر انها مقحمة على سورة ( الاحزاب ) من أواخر النزول و حياة الرسول : أولا بسبب نصها الذى يحمل التحلة الشاملة : " يا أيها النبى إنا أحللنا لك أزواجك اللاتى آتيت أجورهن " ، مما يدل على أنهن كن قبل هذه التحلة غير حلال ، و نكاحهن كان استباحة للشريعة القرآنية ، ثانيا لأنها ناسخة لآية المنع التى نزلت بعد الزوجة الخامسة ، زينب بنت جحش ، و الآية تابعة لها فى النسق ( الاحزاب 52 ) . و هذا من غريب الناسخ و المنسوخ فى القرآن كما جاء فى ( الاتقان 2 : 24 ) للسيوطى : " ليس فى القرآن ناسخ إلا و المنسوخ قبله فى الترتيب ، إلا فى آيتين ، آية العدد فى ( البقرة ) و قوله :( لا

معجزة القرآن ٢١٥

يحل لك النساء من بعد ) " . يدل أيضا على اقحامها حديث عائشة ثم حديث عائشة و حفصة : " ما مات رسول الله صلعم حتى أحل له النساء " ، مما يدل على التحلة كانت من أواخر النزول و حياة الرسول . قال دروزة 1 : " و قد ذكرت روايات السيرة ان النبى صلعم كان يجمع فى عصمته حين نزول الآيات ( الاحزاب 50 – 52 ) تسع زوجات بعقد " . و المسألة الضخمة ان محمدا ، الاسوة الحسنة لأمته ، قد استباح شريعة القرآن و عاش أزمة ضمير حادة ، فى زيجاته كلها ، بعد الأربع الشرعيات ، حتى نزلت آية التحلة فى آخر حياته ، و معها الغفران .

فالاستباحة الأولى كانت فى زواجه من زينب بنت جحش ، الزوج الخامسة . كان من نتائجها و مشاكلها آية المنع : " لا يحل لك النساء من بعد " ، لكن النبى استحلهن . كذلك كان إبطال عادة التبنى ، و فيه رفع رحمة انسانية من الشريعة القرآنية ، بخلاف عادة العالمين و شرائعهم . ثم " حديث الإفك " بحق عائشة ، كما سيأتى بيانه ، و أنفة ريحانة القرظية من الزواج حرة بمحمد . فبعد تصفية بنى قريظة من المدينة ، " اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة ، احدى نساء بنى عمرو بن قريظة ... و قد كان رسول الله صلعم عرض عليها أن يتزوجها و يضرب عليها الحجاب . فقالت : يا رسول الله ، بل تتركنى فى ملكك ، فهو أخف على و عليك . فتركها " 2

و الاستباحة الثانية لشريعة الزواج القرآنية ، بعد غزوة بنى المصطلق ، فى زواجه من جويرية بنت الحارث المصطلقية ، سيد قومه . قالت عائشة : " و كانت امرأة حلوة ملاحة ، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه . فوالله ما هو إلا ان رأيتها على باب حجرتى ، فكرهتها ، و عرفت أن النبى صلعم سيرى منها ما رأيت . فدخلت عليه فقالت : يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار ، سيد قومه . و قد أصابنى من البلاء ما لم يخف عليك . فوقعت فى السهم لثابت بن قيس بن الشماس – أو لابن عمه – فكاتبته على نفسى . فجئتك استعينك على كتابتى . قال : فهل لك فى خير من ذلك ؟ قالت : و ما هو ، يا رسول الله ؟ قال : أقضى عنك كتابك ، و أتزوجك . قالت : نعم يا رسول الله . قال : قد


1 سيرة الرسول 1 : 71 .
2 السيرة ، لابن هشام 3 : 256 .