٢١٦ معجزة القرآن

فعلت " 1 . أجل لهذا الزواج سبب انسانى ، و هو الرفع من كرامة السيدة المسبية . لكن حديث عائشة قاطع بأن سبب الزواج الحقيقى الهوى و الجمال . لكن ذلك خلف الكره فى نفس عائشة .

و الاستباحة الثالثة كانت فى زواج محمد من صفية الخيبرية . بعد صلح الحديبية مع قريش غزا محمد معاقل اليهود فى الشمال . فكانت غزوة خيبر فى آذار 628 م و كان من غنائمها صفية بنت حيى الخيبرية التى قتل " أباها ة زوجها و قومها " ، " أعرس بها صلعم فى خيبر أو ببعض الطريق " . كان لهذا الزواج مسحة انسانية ، التخفيف عن سيدة قومها . لكن ما نظن محمدا بغافل عن خلق مثل هذه اليهودية حتى يوقن أن زواجه " ممن قتل أباها و زوجها و قومها " يخفف عنها . و ما ظن ذلك الصحابة ، فإنه لما أعرس محمد بها ، " بات أبو أيوب ، خالد بن زيد ، أخو بنى النجار ، متوحشا سيفه ، يحرس رسول الله صلعم و يطيف بالقبة حتى أصبح رسول الله صلعم ، فلما رأى مكانه قال : ما لك يا أبا أيوب ؟ قال : يا رسول الله خفت عليك من هذه المرأة ، و كانت امرأة قد قتلت أباها و زوجها و قومها ، و كانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك " 2 . انما هى عادة الملوك الغزاة ، حين الظفر بخصومهم ، أن يتزوجوا من نسائهم ، دليل السيطرة و الاستذلال الكامل . و نعرف من السيرة ان الهوى و الجمال كان لهما دور فى القصة : " و لما افتتح رسول الله صلعم القموص حصن بنى أبى التحقيق ، أتى رسول الله صلعم بصفية بنت حيى بن أخطب ، و بأخرى معها ... فلما رآها ( الاخرى ) رسول الله صلعم قال : أغربوا ( أبعدوا ) عنى هذه الشيطانة . و أمر بصفية فحيزت خلفه ، و ألقى عليها رداءه . فعرف المسلمون أن رسول الله صلعم قد اصطفاها لنفسه " 3 .

و الاستباحة الرابعة كانت زواجه من أم حبيبة ، رملة أخت أبى سفيان ، زعبم مكة ، و زوجة عبد الله بن جحش الذى توفى على المسيحية فى الحبشة . فى هذا الوقت رجع المسلمون الباقون من لحبشة بقيادة جعفر بن أبى طالب ، و معهم أم حبيبة . فتزوجها محمد أيضا ليرتبط مع أخيها أبى سفيان برباط المصاهرة ، كما فعل مع أبى بكر و عمر ، توكيدا


1 السيرة ، لابن هشام 3 : 307 .
2 السيرة ، لابن هشام 3 : 354 .
3 السيرة ، لابن هشام 3 : 350 .
معجزة القرآن ٢١٧

لصلح الحديبية و تسهيلا لفتح مكة . هنا السبب السياسى ظاهر . لكن هل فيه ما يبيح لمثال أمته استباحة شريعة القرآن ؟ و زواجان يقعان فى فترة وجيزة ، فى ختام غزوة خيبر !

و الاستباحة الخامسة كانت نكاح ميمونة الهلالية ، وقعت عمرة القضاء سنة تسع ، أى 629 م تنفيذا لمعاهدة الحديبية . ففى هذه العمرة تزوج محمد ميمونة بنت الحارث الهلالية ، أخت زوجة العباس عمه ، و خالة خالد بن الوليد . و تولى العباس نفسه إنكاحه إياها . فارتبط النبى بالمصاهرة مع جناحى مكة ، بنى أمية و بنى هاشم . فكان ذلك الزواج حافزا لخالد بن الوليد أن يسلم ، فأسلم و أهدى محمدا أفراسا له . و تبعه عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة ، حارس الكعبة . و قد أسلم بإسلام هؤلاء كثيرون من مكة . فبات حزب محمد قويا فيها . و بات فتح مكة ميسورا سياسيا . و الدافع السياسى لزواج محمد من ميمونة ظاهر . لكن كان فيه نصيب أيضا للهوى و الجمال ، " و يقال انها هى التى وهبت نفسها للنبى صلعم . و ذلك أن خطبة النبى صلعم انتهت اليها و هى على بعيرها . فقالت : البعير و ما عليه لله و لرسوله . فأنزل الله تعالى و تبارك : و امرأة مؤمنة ، إن وهبت نفسها للنبى ... 1 .

لكن هذه البدعة بزواج الهبة أثارت حفيظة عائشة . فأحلها الوحى القرآنى للنبى بتحلة مطلقة لكل " امرأة مؤمنة ، إن وهبت نفسها للنبى ، إن أراد النبى أن يستنكحها ، خالصة لك من دون المؤمنين " ( الاحزاب 50 ) . قال دروزة 2 فى تبرير هذه البدعة : انها " تنطوى على صورة من صور زواج النبى صلعم الخاصة . فهو ، فوق أنه كان يخطب نساءه و يمهرهن جريا على العادة المعروفة ، كان بعض النساء المؤمنات يعرضن أنفسهن عليه هبة . و مما لا ريب فيه ان هذا إنما كان قصد التشرف بالصلة به و الحرص على نيل الكرامة العليا فى الزوجية النبوية . و قد أباح الله له الاستجابة لمن شاء منهن ، تقديرا لهذه الرغبة فى نيل شرف هذه الزوجية الكريمة " .

لكن لماذا يستثنى النبى عن أمته بزواج الهبة ، و هو " الاسوة الحسنة " لهم ؟ و لماذا هذه الاباحة المطلقة لكل " امرأة مؤمنة " ) و ما هذا التسلط على نساء المسلمين : " خالصة لك من دون المؤمنين " ؟ و لماذا هذه الإباحة بالهبة من قيود الشريعة القرآنية ؟ و لماذا جعل زواج الهبة


1 السيرة ، لابن هشام 4 : 296 .
2 سيرة الرسول 1 : 74 .