٢١٨ معجزة القرآن

للنبى مرهونا بمشيئتشه ، " إن أراد أن يستنكحها " ، لا بأمر الله و شريعته ، مما يجعل رغبة محمد فوق شريعة الله ؟ أليست " الكرامة العليا " المذكورة ، فى احترام النبى لشريعته ، و فرض احترامها على النساء المسلمات ، لا تحررهن من قيودها بزواج الهبة له ؟

لذلك من الحق أن يقال : مهما كانت الاسباب وجيهة فى تعدد زوجات محمد ، على خلاف الشريعة القرآنية ، فتلك الزيجات براهين ناطقة على أن " بشرية " النبى تحد كثيرا من إعجاز الشخصية النبوية .

ثالثا : المآسى الناجمة عن تعدد زوجات النبى

بدأت هذه المآسى ببدء استباحة محمد للشريعة القرآنية و المأساة تجر المأساة . فتظهر هذه لصورة القاتمة فى حياة محمد الزوجية . و هى ، على رأينا ، أخف وطأة من أزمة الضمير التى قامت فى وجدانه حتى نزول التحلة المطلقة ، فى أواخر حياة النبى ، فوضعت حدا للمآسى النفسية و البيتية و الشرعية .

المأساة الأولى فى نكاح زينب بنت جحش ، الزوجة الخامسة .

و هذه المأساة لها وجوه عديدة . الوجه الشرعى فى تخطى حدود الشريعة القرآنية . و منه أيضا اللجوء إلى إبطال عادة التبنى . يقول دروزة 1 : " هذه الآيات ( الاحزاب 36 – 40 ) نزلت على ما أجمعت عليه الروايات فى صدد زواج النبى صلعم بزينب بنت جحش ر . ، مطلقة دعيه أو متبناه زيد بن حارثة ر . و لقد روى بعض الرواة أن النبى صلعم مال إلى زينب بعد زواجها من زيد لما رآه من مفاتنها ، و أنها شعرت بذلك فأخت تكايد زوجها . و أن هذا شعر بالأمر فأراد تطليقها ليتسنى للنبى صلعم أن يتزوجها ... و لقد كانت الرواية موضوع نقد و نقاش قديما و حديثا . فاستبعدها بعض المفسرين القديميين و استنكروها و قالوا إنها مدسوسة " . إذا راجعنا الزمخشرى و الجلالين نرى أنها غير مدسوسة . لكن الاستاذ دروزة يأتى بتفسير جديد للقصة : " فى الآيات تعليل صريح بأن تزوج النبى صلعم مطلقة متبناه هو لإبطال تقليد حرمه زواج المتبنى بمطلقة المتبنى ، و رفع الحرج عن المؤمنين فى تزوج


1 سيرة الرسول 1 : 78 .
معجزة القرآن ٢١٩

مطلقات أدعيائهم أو أبنائهم بالتبنى . و نعتقد ان هذا التعليل هو مفتاح الحادثة . فقد كانت العادة قوية راسخة و لم يجرؤ – على ما يبدو – أحد على نقضها ، بعد أن عابت آيات ( الاحزاب 4 – 6 ) عادة التبنى و أمرت بإبطالها . فألهم الله النبى صلعم أن يقوم على إبطال هذه العادة بنفسه فى زينب ... و العتاب الربانى فى الآيات مصبوب على تردده فى الإقدام على تنفيذ ما ألهم الله خشية انتقاد الناس و حياء منهم " .

إنما تحليل الاستاذ و تعليله ينقضان صريح القرآن كما فسره الزمخشرى . و الاستاذ يقلب حقيقة النص السبب مسببا ، و المسبب سببا . إن إبطال عادة التبنى كان سبيلا للحادث ، لا سببا له ، كما نقلوا و نقلنا على لسان عائشة : " إن ربك يسارع لك فى هواك " ! و هل فى إبطال عادة التبنى المعمول بها فى عوائد الدنيا و شرائعها كلها من عبقرية فى التشريع ؟ هل من بطولة فى النبوة أن يقوم محمد " على إبطال هذه العادة بنفسه ، و لم يجرؤ أحد على نقضها " ؟ و فات الاستاذ انه ينظر الى الفرع ، من دون الأصل . و الأصل ليس إبطال عادة التبنى ، بقدر ما هو التعدى على حدود الشريعة القرآنية بالاقتصار على أربع نساء معا .

هذان العاملان سببا لمحمد أزمة ضمير دامت حتى نزلت التحلة الكبرى و معها الغفران . و ذلك أيضا لأن سبب الزواج من زينب بنت جحش كان فى الحقيقة و الواقع الهوى و الجمال ، كما فى القرآن و الحديث و السيرة . يكفى شاهدا تحريم النساء عليه من بعدها .

أخيرا الوجه الإجتماعى فى الجماعة . فقد زلزل المسلمون زلزالا عظيما أكثر زلزال غزوة الاحزاب . فهدد النبى باللعن من يخوض فى الأمر : " إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله فى الدنيا و الآخرة ، و أعد لهم عذابا مهينا " ( الاحزاب 57 ) . فلم تنته الأزمة . حينئذ هدد بالنفى و القتل ( الاحزاب 60 – 61 ) ، فهدأت الضجة الكبرى ، و عاد الرسول الى المؤالفة و المسايرة ( الاحزاب 69 – 71 ) .

المأساة الثانية " حديث الافك " بحق عائشة

عند رجوع القوم من غزوة بنى المصطلق ، تخلفت السيدة عائشة عن المعسكر لحاجة ، و قدمت الى المدينة مع صفوان بن المعطل السلمى . فحامت الشبهة حول عائشة – و ان كانت فوق الشبهات . لكن ظروف الحال جعلت للشبهة مخرج صدق .