٢٥٦ معجزة القرآن

الله مع المتقين " ( براءة 36 ) . فالحرب الأهلية شاملة طول السنة ، مدى الحياة ، ما عدا الأشهر الحرم الأربعة ، و اذا اقتضى الأمر " قتال فيه ( الشهر الحرام ) كبير ( البقرة 217 ) . على هذه الصورة ينتهى القرآن : " و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة " .

انها تحويل الدعوة الدينية الى حرب أهلية شاملة .

4 – الرحمان الرحيم ، رب العالمين ، يصير إله الحرب

إن الدعوة المتواصلة ، فى القرآن المدنى ، للجهاد باسم الله ، تعطى إله القرآن ، مثل إله التوراة ، صورة إله الحرب ! " فالرحمان الرحيم " ، الذى باسمه يستفتح كلسورة ، و باسمه يصلى كل صلاة يتوارى وصفه الكريم ذلك فى القرآن المدنى و السيرة النبوية . فقد تبدل التنزيل و النبوة و صار ، الرحمان الرحيم ، رب العالمين ، إله الجهاد و الغزو و القتال .

لقد صار " رب العالمين " عدو الكافرين : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى و عدوكم أولياء ، تلقون إليهم بالمودة ، و قد كفروا بما جاءكم من الحق " ( الممتحنة 1 ) .

و صار " رب العالمين " رئيس حزب : " رضى الله عنهم و رضوا عنه : أولئك حزب الله ! ألا إن حزب الله هم المفلحون " ( المجادلة 22 ) . و حزب الله هم الذين يتبعون محمدا من دون العالمين : " لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله ، و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " ( المجادلة 22 ) ، " انما وليكم الله و رسوله ... و من يتول الله و رسوله و الذين آمنوا ، فإن حزب الله هم الغالبون " ( المائدة 55 – 56 ) .

و صار الرحمان الرحيم فى الجهاد ، خير الماكرين ، لأن " الحرب خدعة " كما يقول الحديث . من مكر الله بالمكذبين استدراجهم الى كيده : " و الذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ، و أملى لهم إن كيدى متين " ( الاعراف 182 – 183 ) . و من مكر الله بهم استباق الخيانة : " فإما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء " ( الانفال 58 ) و الدفاع عن المحاربين المؤمنين ( الحج 38 ) . فالله يحارب مع النبى ( الأنفال 64 ) و يرسل ملائكته يقاتلون مع المسلمين جنودا لا يرونها ( الانفال 50 ، آل عمران 124 – 125 ) يمدهم طورا بألف من الملائكة مردفين ( الآنفال 9 ) ، و طورا بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ( آل عمران 124 ) . و طورا بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ( آل عمران 125 ) . و هكذا " يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين " ( الانفال 30 ) .

معجزة القرآن ٢٥٧

و من مكر الله بسائر الناس ، " حزب الشيطان " ( المجادلة 19 ) أن يحتال عليهم بواسطة الشيطان : " و اذ زين لهم الشيطان اعمالهم و قال : لا غالب لكم اليوم من الناس ، و انى جار لكم ، فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه " ( الانفال 48 ) . فالله يحتال على النبى ليقويه : " يريكهم الله فى منامك قليلا " ! و على المسلمين ليشد أزرهم : " و اذ يريكموهم فى أعينكم قليلا " ! و على المشركين ليكيد لهم : " و يقللكم فى أعينهم ، ليقضى الله أمرا كان مفعولا " ( الأنفال 43 – 44 ) . و يستغل الله عناصر الطبيعة لمحالفة المسلمين : " إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ! و ينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به " ! ( الانفال 11 ) .

و يزين الله الجهاد للمؤمنين بالوعد العظيم بالجنة أو بالنصر ، فعاقبة الجهاد " احدى الحسنيين " : استشهاد أو شهادة ( التوبة 52 ) . و يحرض الله على القتال المجاهدين فيعدهم بالغفران و الجنة ، مهما كانت حالهم قبل الجهاد ، و مهما كان سلوكهم فى الجهاد : " فالذين هاجروا ... و قاتلوا و قتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ، و لأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار " ( آل عمران 195 ) . و ما الجهاد ، فى عرف القرآن ، سوى مبايعة الله على القتال و الجنة : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة : يقاتلون فى سبيل الله ، فيقتلون و يقتلون ... و ذلك هو الفوز العظيم " ( التوبة 111 ) .

تلك هى صورة الله فى القرآن المدنى : ان الله ، الرحمان الرحيم ، رب العالمين ، صار إله الحرب الشاملة الدائمة : " و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة " طول السنة ، ما عدا الأشهر الأربعة الحرم ، و مدى الحاة ، فإن " الله قد أرس رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله ، و لو كره المشركون ! فقد كان النبى العربى ، فى شريعة الجهاد ، و القيام بها ، " بدعا من الرسل " ( الاحقاف 9 ) لأنه كان فى رسالة السماء " الرسول و السياسى و المجاهد و الفاتح " .