٢٧٦ معجزة القرآن

فالقرآن المشهور المعروف الذى يخبر عنه القرآن العربى هو غيره ، بصريح قوله أيضا : " و لقد آتيناك سبعا من المثانى و القرآن العظيم ... كما أنزلناه على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين " ( الحجر 87 و 90 – 91 ) . فسره الجلالان : " الذين جعلوا القرآن اى كتبهم المنزلة عليهم ، ( عضين ) أجزاء ، حيث آمنوا ببعض و كفروا ببعض " .

فالقرآن على الاطلاق هو الكتاب المقدس ، و القرآن العربى إنما هو إخبار عنه و دعوة اليه ، لأنه " تفصيل الكتاب " ( يونس 37 ) .

و هكذا يتضح لنا ، من الواقع القرآنى ، ان نبوءة محمد هداية الى اسلام " المسلمين " من قبله ، النصارى من بنى اسرائيل ، و اقتداء دائم بهداهم فى الكتاب الإمام ، القرآن العظيم ، بحسب " المثل " الكريم الذى معهم : " و شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله " ( الاحقاف 10 ) فقد " شرع " الله للعرب دين موسى و عيسى دينا واحدا ( الشورى 13 ) بحسب " مثله " الذى من قبله . فلا جدال فى ذلك مع أهل الكتاب النصارى ، لأن الإله واحد و التنزيل واحد و الاسلام واحد معهم ( العنكبوت 46 ) .

بحث رابع

هل القرآن العربى أسلوب جديد فى النبوة و المعجزة

إن المدرسة العصرية فى علوم القرآن ثبت لها موقف القرآن السلبى من كل معجزة حسية : فلا معجزة حسية فى السيرة النبوية و الدعوة القرآنية ، مهما ماحك المماحكون الرجعيون .

و كان رد القرآن العربى على تحديهم له بمعجزة " كما أرسل الأولون " ( الأنبياء 5 ) ، العجز المطلق عن كل معجزة حسية ، كما يقرر : " و ما منع الناس أن يؤمنوا ... إلا أن نأتيهم سنة الأولين " ( الكهف 55 ) ، المعجزة التى يشهد بها الله لأنبيائه . لذلك ظلوا دائما يقولون : " لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله " ( الانعام 124 ) . لكن لما أتاهم

معجزة القرآن ٢٧٧

محمد بمعجزة " الحديد الذى فيه بأس شديد ، و منافع للناس " ( الحديد 25 ) دخلوا فى دين الله أفواجا ( النصر 2 ) .

تجاه هذا الواقع القرآنى قال الأقدمون بأعجاز القرآن فى النظم و البيان معجزة له . و سنرى أمرها بعد حين .

و لعدم اقتناع المدرسة العصرية بصحة اعجاز القرآن و البيان معجزة له – و قد حطمها المرحوم فريد وجدى تحطيما – قالوا : ليست المعجزة بلازمة لصحة النبوة و التنزيل ؟ و قالوا مع الاستاذ دروزة 1 :

" و هذه النواحى الايجابية فى النصوص القرآنية يصح أن تكون مفسرة لحكمة ذلك الموقف السلبى ( من المعجزات ) ، بحيث يصح أن يستلهم منها و أن يقال – و قد ألمع الى ذلك غير واحد من الباحثين أيضا – إن حكمة الله اقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة لنبوة سيدنا محمد عليه السلام ، و برهانا على صحة رسالته ، و صدق دعوته التى جاءت بأسلوب جديد :

" هو اسلوب لفت النظر الى الكون و ما فيه من آيات باهرة ، و البرهنة بها على وجود الله ، و قدرته الشاملة ، ووحدته ، و استحقاقه وحده للخضوع و العبادة و الاتجاه ، و بطلان الشرك و الوثنية أو سائر العقائد و التقاليد المتناقضة مع هذا الأصل النقى البسيط .

" ثم اسلوب مخاطبة العقل و القلب ، فى الحث على الفضائل ، و التنفير من الرذائل ، و إثبات قدرة الله على الحياة الأخرى ، و فكرة الحق و العدل فيها .

" و على اعتبار ان الدعوة التى تقوم على تقرير وجود الله و استحقاقه وحده للعبودية ، و اتصافه بجميع صفات الكمال ، و على التزام الفضائل ، و اجتناب الفواحش ، هى فى غنى عن معجزات خارقة للعادة ، لا تتصل بها فى الذات .

" و فى هذا ما فيه من وضوح ميزة الرسالة المحمدية و ترشيحها للخلود و التعميم . و آيات الأنبياء السابقين الخارقة حادثات وقعت و انقضت . و لكن اسلوب الدعوة القرآنية – هذا الذى اختلف كل الاختلاف عن اسلوب الكتب المنزلة على بعض اولئك الأنبياء – هو


1 سيرة الرسول 1 : 226 . فى هذا البحث تكرار للتقرير ، و استكمال الموضوع و التقدير .