٢٧٤ معجزة القرآن

لأن أكون أول المسلمين " ( الزمر 11 – 12 ) . فى رؤيا غار حراء – يؤمر محمد بالايمان بالكتاب ، و بالانضمام الى " المسلمين " الموجودين قبله ، هذه هى الهداية عينها ، كما ينص الحرف عينه : " و إنك لتهدى الى صراط مستقيم " ( الشورى 52 ) .

ان نبوءة محمد مصدرها وحى فى رؤيا حراء ، كما يقول : " و إن اهتديت فيما يوحى الى ربى " ( سبأ 50 ) ، و لكن موضوعها ليس وحيا جديدا ، بل إقامة التوراة و الانجيل معا ( المائدة 68 ) ، على دين موسى و عيسى معا ( الشورى 13 على طريقة " المسلمين " الذين أمر ان ينضم اليهم ( النمل 91 ) ، و هو يشهد بالقرآن ، " تفصيل الكتاب " ، مع هؤلاء " المسلمين " النصارى ، أولى العلم المقسطين ، الراسخين فى العلم : " أن الدين عند الله الاسلام " ( آل عمران 18 – 19 مع 7 ) .

إن محمدا ، فى رؤيا حراء ، اهتدى الى الايمان بالكتاب ، و الى اسلام المسلمين من قبله ، النصارى من بنى اسرائيل ، و هو بالقرآن يدعو الى هذا الاسلام " النصرانى " . لذلك يأتيه الامر المتواتر : " الذين آتيناهم الكتاب و الحكم ( الحكمة ) و النبوة ... أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " ( الانعام 89 – 90 ) . اهتدى نهائيا برؤيا غار حراء ، لكن الأمر له ان يقتدى على الدوام بهدى أهل " الكتاب و الحكمة " الذين يقيمون التوراة و الانجيل معا ، على دين موسى و عيسى معا ، و هم النصارى من بنى اسرائيل .

و هذا الأمر بالاقتداء المتواصل فى دعوته بهدى " المسلمين " من قبله ، برهان ايضا على ان نبوة محمد كانت هداية الى إسلام النصارى من بنى اسرائيل . يؤيد ذلك ايضا هذه الظاهرة الكبرى المستغربة : إن القرآن العربى اخبار عن " القرآن " ، اخبار عن غيره ، لا عن نفسه . لم ينزل القرآن العربى بعد ، و هو يؤمر منذ مطلعه : " و رتل القرآن ترتيلا " ( المزمل 4 ) – لاحظ التعريف المطلق : " القرآن " . و قد أمر فى رؤيا حراء أن يكون من المسلمين و أن يتلو معهم " القرآن " ( النمل 91 – 92 ) . لذلك يستفتح كثيرا من سورة بالاشارة الى تلاوة " القرآن " المطلق ، ثم يعلق عليه بالسورة الورادة : " ذلك الكتاب ، لا ريب فيه ، هدى للمتقين " من العرب ( البقرة 1 – 2 ) ، " تلك آيات القرآن و كتاب مبين ، هذى و بشرى للمؤمنين " ( النمل 1 – 2 ) اى ، بحسب اصطلاحه ، توراة و انجيل معا للمؤمنين المسلمين ، أولى العلم المقسطين ، " تلك آيات الكتاب المبين " ( الشعراء 2 ، القصص 2 ) ، " تلك

معجزة القرآن ٢٧٥

آيات الكتاب الحكيم " ( يونس 1 ) ، " تلك آيات الكتاب و قرآن مبين " ( الحجر 1 ) – لاحظ المقابلة مع ( النمل 1 – 2 ) – " تلك آيات الكتاب الحكيم " ( لقمان 2 ) ، " تلك آيات الكتاب " ( الرعد 1 ) .

كلها إشارات الى ما تلا من الكتاب أى قرآن الكتاب ، ثم يليها فى سورة القرآن العربى تعليق عليه ، كما يتضح ايضا من قوله : " تلك آيات الكتاب المبين : إنا أنزلناه . قرآنا عربيا " ( يوسف 1 – 2 ) . فالقرآن العربى هو غير الكتاب المبين و غير القرآن المبين : إنه إخبار عنه و تعليق عليه . و قوله : " إنا أنزلناه قرآنا عربيا يعنى : إنا جعلناه قرآنا عربيا كما يقسم : " و الكتاب المبين : إنا جعلناه قرآنا عربيا " ( الزخرف 2 – 3 ) .

و التمييز بين القرآن المنزل القرآن العربى الذى يفصله صريح قوله : " تنزيل من الرحمان لرحيم : كتاب – فصلت آياته قرآنا عربيا " ( فصلت 2 – 3 ) ، فهما : " كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن خبير حكيم " ( هود 1 ) . فالقرآن العربى ، القرآن المفصل ، هو إخبار عن القرآن المحكم ، " القرآن العظيم " ، القرآن المفصل . و كما يستفتح بالاشارة الى " القرآن " المطلق ، فى الكتاب الذى مع أهل الكتاب ، فهو يستفتح أيضا بالقسم به على صحة الدعوة بالقرآن العربى : فالتمييز بين القرآن المقسم به ، و القرآن العربى المقسم عليه متواتر مترادف ، و لا يصح ان يكون المقسم به و المقسم عليه واحدا :

" ق . و القرآن المجيد ... " ( ق 1 )
" ص . و القرآن ذى الذكر ... " ( ص 1 )
" يس . و القرآن الحكيم ... " ( يس 1 – 2 )

فالقرآن الحكيم القرآن ذى الذكر ، القرآن المجيد ، ليس القرآن العربى كما يتضح من القسم به . يتضح أيضا من القسم به على حقيقة القرآن العربى :

" و الكتاب المبين : إنا جعلناه قرآنا عربيا " ( الزخرف 2 – 3 )

" و الكتاب المبين : إنا أنزلناه فى ليلة مباركة ... أمرا من عندنا ، إنا كنا مرسلين " ( الدخان 2 – 5 ) . ان الضمير المستتر المتواتر فى مثل هذه المواطن لا يعنى القرآن العربى بل الأمر بالهداية الى قرآن الكتاب ، و تلاوته على العرب .