٢٨٠ معجزة القرآن

و هكذا فلا جدة ، و لا مخالفة ، و لا ميزة ، و لا اعجاز ينفرد به القرآن فيما وصفوه " اسلوب جديد " فى النبوة و المعجزة . فقد " شهد شاهدين من بنى اسرائيل على مثله " ، و الكتاب " إمامه " فى الهدى و البيان ( الاحقاف 10 – 12 ) : " قل : فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما اتبعه إن كنتم صادقين " . فالقرآن و الكتاب ، كلاهما فى الهدى واحد ، فليس القرآن " أسلوبا جديدا " فى النبوة و المعجزة .

بحث خامس

كيفية الوحى القرآنى – " برحاء الوحى "

إن " الاسلوب الجديد " الحق ، فى الوحى و التنزيل ، هو ما أسموه " برحاء الوحى " ، اى كيفيته و حالاته عند النبى العربى .

و قد نقل لنا السيوطى أقوالهم فى حالة الوحى ( الاتقان 1 : 45 – 46 ) : " فصل : و قد ذكر العلماء للوحى كيفيات :

" احداهما : أن يأتيه الملاك فى مثل صلصلة الجرس ، كما فى الصحيح . و فى مسند أحمد عن عبد الله بن عمر : سألت النبى ص هل تحس بالوحى ؟ فقال : أسمع صلاصل ثم اسكت عند ذلك ، فما روى مرة بوحى إلا ظنت نفسى تقبض ... و فى الصحيح ان هذه الحالة أشد حالات الوحى عليه .

" الثانية " أن ينفث فى روعه الكلام نفثا ...

" الثالثة " أن يأتيه فى صورة الرجل فيكلمه ، كما فى الصحيح : " و أحيانا يتمثل لى الملاك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول " . زاد أبو عوانه فى صحيحه : " و هو أهونه على " .

" الرابعة : ان يأتيه الملاك فى النوم .

معجزة القرآن ٢٨١

" الخامسة " أن يكلمه الله إما فى اليقظة ، كما فى ليلة الاسراء ، أو فى النوم كما فى حديث معاذ : " أتانى ربى فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى " ...

نقول :

1 ) ان القرآن كله وحى بالواسطة ( الشورى 52 ) : فلم يكلم الله محمدا مباشرة أبدا : " قل : نزله روح القدس " ( النحل 102 ) ، " قل : من كان عدوا لجبريل ، فإنه نزل على قلبك بإذن الله " ( البقرة 97 ) .

2 ) و ان القرآن وحى ليلى : " حم . و الكتاب المبينإنا أنزلناه فى ليلة مباركة " ( الدخان 1 – 3 ) ، " إنا أنزلناه فى ليلة القدر " ( القدر 1 ) . لاحظ الاطلاق فى التعبير : " أنزلناه " . فلا مجال لجميع الحالات التى يصفون . حتى الاسراء كان ليلا : " سبحان الذى أسرى بعبده ليلا " ! ( الاسراء ) . حتى البشرى بفتح مكة – كانت رؤيا ليل : " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق : لتدخلن المسجد الحرام ، إن شاء الله " ( الفتح 27 ) . حتى البشرى بالنصر فى بدر كانت رؤيا منام : " إذ يريكهم الله فى منامك قليلا " ( الانفال 43 ) . فالقرآن جملة و تفصيلا وحى ليلى !

و يذكر السيوطى ( الاتقان 1 : 46 ) من أمثلة الوحى النومى سور الكوثر و الضحى و الشرح ، و آخر سورة البقرة – فما صح فى بعضه جاز فى كله .

3 ) و ان القرآن وحى فى حالة " البرحاء " و " الإغماء " :

 يقول ( الاتقان 1 : 23 ) : " أما النومى فمن أمثلته سورة الكوثر ، لما روى مسلم عن أنس قال : بينا رسول الله ص بين أظهرنا إذ غفا إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسماً فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: أنزل على آنفا سورة، فقرأ " باسم الله الرحمن الرحيم. إنا اعطيناك الكوثر ، فصل لربك و انحر ، إن شانئك هو الابتر " . و قال الامام الرافعى فى ( أماليه ) : " فهم فاهمون من الحديث ان السورة نزلت فى تلك الاغفاءة ، و قالوا : من الوحى ما كان يأتيه فى النوم ، لأن رؤيا الانبياء وحى . قال : و هذا صحيح ، لكن الأشبه ان يقال ان القرآن كله نزل فى اليقظة ... قال: وورد فى بعض الروايات أنه أغمى عليه، و قد يحمل ذلك على الحالة التى كانت تعتريه عند نزول الوحى و يقال لها: برحاء الوحى.