٢٩٠ معجزة القرآن

بهذا التشريع المتواتر صار الاسلام دين قتال ، بدل ان يظل دين سلام كما يؤخذ من اسمه .

و تبرير تشريع القتال فى الدين يزيد الأمر حرجا . فالغاية الأولى منه رد الفتنة عن الدين بالقوة : " و الفتنة أشد من القتل " ( البقرة 191 ) . إن الفتنة تبرر القتل : " و الفتنة أكبر من القتل " ( البقرة 217 ) . و قامت الحرب الأهلية بين العرب " حتى لا تكون فتنة ، و يكون الدين كله لله " ( البقرة 193 ) . إن الحرب الأهلية مفروضة مشروعة : " و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ، و يكون الدين كله لله " ( الانفال 39 ) . و يتبع ذلك قتل المرتد عن دينيه : " و من يرتدد منكم عن دينه . قيمت و هو كافر " ( البقرة 217 ) .

و الغاية الثانية فى دين القتال المغانم الكثيرة : " وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ، فعجل لكم هذه ، و كف أيدى الناس عنكم ، و لتكون آية للمؤمنين " ( الفتح 20 ) . فالمغانم الكثيرة التى تجنى من فريضة الجهاد و شريعة القتال هى آية الله فى دينه !

تلك الغاية المزدوجة برهان على ان القتال لم يشرع فقط للدفاع عن حرية الدين ، بل فرض لفرض الاسلام بالقوة على العرب : " كانت مهمة النبى ، و هو يهاجر ، واضحة : و هى أن يكره قريش على الاسلام بحد السيف ، بعد ان بذل لها النصح ثلاثة عشر عاما فلم تزد إلا عتوا " 1 . فليس صحيحا أن " حروب النبى عليه السلام كانت كلها حروب دفاع ، و لم تكن منها حرب هجوم إلا على سبيل المبادرة بالدفاع ، بعد الايقان من نكث العهد و الاصرار على القتال ، و تستوى فى ذلك حروبه مع قريش ، و حروبه مع اليهود أو الروم " 2 . فبعد احتلال مكة و السيطرة على الحجاز ، ظلت الحروب قائمة : أللدفاع أم للهجوم ؟ و بعد تصفية اليهود بالمدينة ، هل كان غزو اليهود فى الشمال للدفاع أم للهجوم ؟ و بعد استضافة المهاجرين بالحبشة ، أكانت غزوة مؤتة ثم تبوك للدفاع أم للهجوم ؟ إن دولة فارس ، و دولة الروم كانتا قائمتين منذ الف سنة قبل الاسلام ، و لم يفكر أحد من الدولتين


1 محمد صبيح : عن القرآن ص 62 .
2 العقاد : مطلع النور 139 فى ( العبقريات الاسلامية ) .
معجزة القرآن ٢٩١

بغزو الحجاز ، فهل توجيه المسلمين لحرب الروم ثم لحرب الفرس ، بعيدا عن جزيرة العرب ،كان للدفاع أم للهجوم لفرض دولة الاسلام فى العالم ؟

يقول العقاد 1 : " ان الاسلام إنما يعاب عليه أن يحارب بالسيف فكرة يمكن ان تحارب بالبرهان و الاقناع . و لكن لا يعاب عليه أن يحارب بالسيف " سلطة " تقف فى طريقه و تحول بينه و بين اسماع المستعدين للاصغاء اليه ، لأن السلطة تزال بالسلطة ، و لا غنى فى اخضاعها عن قوة " . و فات الاستاذ أنه لم تقم " سلطة " بالحجاز فى وجه الاسلام ، بل قام سادة المشركين بمكة عليه لحماية شركهم و مصالح الحج و منافعه . وهب أنهم كانوا سلطة و قوة ، فهل هذا يبرر فى منطق الدين، لا فى منطق السياسة – قتالهم لحماية الدين منهم و فرض الاسلام عليهم ؟ و بعد خضوعهم بفتح مكة ، أى سلطة بقيت فى الحجاز تقف فى وجه الاسلام ؟ لقد ظل القتال مشروعا و قائما لفرض الاسلام على الحجاز كله و على الجزيرة كلها " لئلا يجتمع فى جزيرة العرب دينان " : " قل " للمخلفين من الاعراب : ستدعون الى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون " ( الفتح 16 ) . فليس أمام العرب من مهرب : القتال أو الاسلام .

يقول العقاد أيضا 2 : إن الاسلام لم يحتكم الى السيف إلا فى الاحوال التى أجمعت شرائع الانسان على تحكيم السيف فيها : فالدولة التى يثور عليها من يخالفها بين ظهرانيها ماذا تصنع إن لم تحتكم الى السيف ؟ " إنما نحن فى الدين ، و شريعة الله ، لا فى الدولة و شرائع الانسان . و هل جاء الاسلام دينا أم دولة ، ليحتكم الى السيف فى من يخالفه ؟ ففى الاحتكام الى السيف تحول الدين الى دولة ، و النبوة الى إمارة .

إن فرض القتال فى الدين ، لا عهد لنا به فى دين . هل هذا هو الأعجاز فى الرسالة الدينية ؟


1 المصدر نفسه
2 المصدر نفسه