٨٠ الفصل السادس
وقال أيضا : "غاية التحقيق هو تقديم المخطوط صحيحا ، كما وضعه مؤلفه"3.

أما نحن فنقول : إن الغاية من تحقيق المخطوطات تحقيقا علميا هو أولا تقديم نص المؤلف الصحيح ، وثانيا تقديم فكر المؤلف السليم ومنطقه .

وسنوضح في هذا الفصل ما يترتب على هاتين الغايتين .

أولا – تبليغ القارئ نص المؤلف الصحيح

لكي نقدم للقارئ نص المؤلف الصحيح ، يجب علينا أولا أن نسعى إلى معرفة النسخ الخطية العديدة المبعثرة في مكتبات العالم ، بمطالعة فهارس المخطوطات وتواريخ الأدب العربي .

فإذا حصلنا على "دستور"4 المصنف المكتوب بيده ، أثبتناه كما هو . وإن كانت فيه أخطاء تركناها في المتن ، مع الإشارة إلى ذلك في الحشية .

1 – اختيار النسخة أو النسخ المخطوطة

وإن لم نحصل على النسخة الأم ، فهناك ثلاثة طرق متبعة .

أ —  الطريقة الأولى هي اختيار نسخة من النسخ ، وإثبات نصها كما هو ، بعلاّته5. وقد اتبع هذه الطريقة بعض المستشرقين ، لا سيما أصحاب "مجموعة المصنفين المسيحيين الشرقيين" في لوفان6.

وهذه الطريقة في نظرنا سقيمة ، ولا تصح إلا إذا كان لدينا "دستور" المؤلف . إذ لا توجد أبدا نسخة يمكن الاعتماد عليها كل الاعتماد ، واتباعها اتباعا أعمى .

والدليل على ذلك أن هؤلاء المحققين أنفسهم لا يترجمون النص العربي الذي طبعوه ،


3) راجع صلاح الدين المنجد ص 15 .
4) أي النسخة الأصلية المكتوبة بخط يد المؤلف نفسه . ولم نجد هذا الاصطلاح في كتيب الدكتور صلاح الدين المنجد ، مع أهميته ولكنه شائع في "فهرست" ابن النديم ، وفي "تاريخ الحكماء" للقفطي ، وفي غيرهما ممن عني المنجد ، مع أهميته ولكنه شائع في "فهرست" ابن النديم ، وفي "تاريخ الحكماء" للقفطي ، وفي غيرهما ممن عني بالكتب في العصور الوسطى .
5) يبدو أن الدكتور صلاح الدين المنجد يؤثر هذه الطريقة ، إذ يقول : "أما إذا كانت النسخ مختلفة ، فيختار نسخة لتكون أما ، ويثبت نصها" (ص 16 رقم 16) . إلا أننا نعتقد أنه يريد الطريقة الثانية ، بدليل ما سنذكره هناك .
6) راجع سلسلة
Corpus Scriptorum Christianorum Orientalium (Louvain, Belgique)

منهجنا في تحقيق النص ٨١
وإنما يلجأون كثيرا إلى الروايات التي أثبتوها في الحواشي ، إذا كانت هناك حواش7 ، بل إلى روايات لم يثبتوها إطلاقا !8 ذلك لأن النص العربي المطبوع لا معنى له !

فهذه طريقة آلية ، لا جدوى فيها ، ولا تليق بالباحث . والصورة الفوتوغرافية أفضل عندئذ منها ، ولكنها لا تسمى تحقيقا !

* * *

ب —  والطريقة الثانية هي "اعتماد نسخة ، ومقابلتها على النسخ الأخرى ، وترجيح الرواية الجيدة"9.

وهذه الطريقة صالحة إذا وُجدت نسخة تفوق النسخ الأخرى في الجودة . ففي هذه الحل ، تُعطى الأفضلية لهذه النسخة10 .

* * *

ﺠ —  والطريقة الثالثة هي طريقة "النص المختار" . وذلك بأن يختار المحقق ، من المخطوطات العديدة ، النص الذي يخيل إليه أنه يفصح عن رأي المؤلف ، ويؤدي عبارته أداء كاملا . فيذكر الروايات المختلفة ، ويرجح ما يرى فيه استقامة المعنى وسلامته ، وما يوافق مؤلفات الصنف الأخرى .


7) انظر مثلا كتاب "مصباح العقل" لساويرس بن المقفع ، تحقيق رفعت يسى عبيد وميخائيل يونج (YOUNG) وترجمتها الإنجليزية ، في CSCO رقم 365 و 366 (لوفان ، أكتوبر 1975) . أو كتاب "سير بطاركة الكنيسة القبطية" ، المنسوب إلى ساويرس ابن المقفع ، تحقيق الدكتور أزولد برمستر (Oswald H.E. BURMESTER) وغيره (الدكتور عزيز سوريال عطية ، الأستاذ يسى عبد المسيح ، الأستاذ أنطوان خاطر ، الخ) . وقد انتقدنا هذا المنهج في التحقيق ، ذاكرين هذا الكتاب ، في مقالنا عن "مصباح العقل" لساويرس بن المقفع ، في مجلة
Orientalia Christiana Periodica 41 (1975), fasc. 1, p. 150-210
(راجع ص 163 حاشية 2) .
8) راجع مثلا كتاب "تحفة الأديب ، في الرد على أهل الصليب" ، تحقيق ميكل دي إبلثه
Mikel de EPALZA (روما 1971) . انظر تعليق الأب روبير كسبار   R. CASPAR عليه ، في مجلة IBLA 36 (1973) ص 155 – 160 ، لا سيما ص 159 .
9) راجع صلاح الدين المنجد ص 17 رقم 12 .
10) هذه الطريقة هي التي نتبعها في تحقيق "الرسالة في التوحيد" ليحيى بن عدي ، إذ نعطي الأفضلية لمخطوط طهران على المخطوطات الثلاث الأخرى .