١١٢ الفصل الثامن

2 – "وإما أن يُقال هو هو واحد بالنوع ، كما يُقال "خالد وزيد واحد" ، بما عَمّهما من نوعهما ، الذي هو "الإنسان" .

3 – "وإما أن يُقال هو هو واحد بالجنس ، كما يُقال "الحمار والإنسان واحد" ، بما عَمّهما من جنسهما ، الذي هو "الحيّ""25.

فبعد أن ذكر الكندي هذه الأقسام الثلاثة للواحد ، يُثبت أن النصارى لا يستطيعون القول إنّ ثلاثةٌ هي واحد ، بأي وجه من الوجوه الثلاثة26.

4 – تحليل يحيى لمعاني الواحد في الخالق

لقد رأينا ، في الفصل السادس من "التوحيد" ، أن يحيى ذكر ستّة معانٍ للواحد27 ، استخلصها من مؤلفات أرسطواليس28 . ويذكر القارئ أن مقالتنا في "التوحيد" مُنْشأة في رجب سنة 328ﻫ (= ابريل أو مايو 940م) .

لذلك ، لما اكتشف يحيى رسالة الكندي "في افتراق المِلَل في التوحيد" ، وفيها ردٌ على النصارى اعتماداً على ثلاثة وجوه للواحد ، صاح : "هذه القسمة التي قَسَمْتَ للواحد ناقصةٌ !"29 فأخذ يكمّل قسمة الكندي ، كما سنرى حالا . ثم قال له : "وأيضا ، فإنك تركتَ أن تقسم الواحد والكثرة على ضربٍ آخر من القسمة ، إما غفلةً إن كنتَ لم تعرفْه ، وإما تغافلاً إن كنتَ قد عرفتَه وتجاوزتَ ذكره !"30. فعرض وجوه الواحد والكثرة التي شرحها في الفصل السابع من مقالته في "التوحيد"31.

ننقل إليك هذا النص ، وإن كان طويلا ، لأهميته . ونشير في الحواشي إلى المواضع التي تناسبه من مقالتنا في "التوحيد" .

قال يحيى بن عدي :
"ليس تقول النصارى إن الواحدَ ثلاثةٌ والثلاثة هي واحد ، على واحدٍ من هذه الوجوه


25) راجع "الرد على الكندي" ص 11/3 – 10 .
26) راجع "الرد على الكندي" ص 11/10 – 14 (الواحد بالعدد) ، 11/15 – 12/1 (الواحد بالنوع) و 12/1 – 3 (الواحد بالجنس) .
27) راجع "التوحيد" رقم 149 – 176 . وقد ذكر المعاني كلها في رقم 176 .
28) وقد أعطينا ، في حواشينا على "التوحيد" ، المراجع إلى مؤلفات أرسطوطاليس .
29) راجع "الرد على الكندي" ص 12/6 .
30) راجع "الرد على الكندي" ص 12 السطر الأخير إلى ص 13/2 .
31) راجع "التوحيد" رقم 183 – 185 – و 195 – 197 و 206 – 210 و 278 – 280 و 284 – 287 .
يحيى والبحث عن معنى التوحيد ١١٣

الثلاثة التي عددتَ32.

وهذه القسمة التي قسمتَ للواحد ناقصة .

"وذلك أنك تركتَ ذكر الواحد الذي هو واحد بالنسبة . كما يُقال إن نسبةَ المَعين إلى الأنهار المستمدة منه ، ونسبةَ الروح الذي في القلب إلى الروح الذي في الشرايين ، واحدةٌ بعينها ، ونسبةَ الاثنين إلى الأربعة ، ونسبةَ العشرين إلى الأربعة ، واحدةٌ بعينها33.

"وتركتَ أيضا قسمة الواحد بالعدد إلى أقسامه34 الثلاثة التي ينقسم إليها35.

"وذلك أنه يُقال واحد بالعدد36 كالمتّصل ؛ كما يُقال جسمٌ واحد بالعدد ، وسطح واحد بالعدد ، وخط واحد بالعدد ، وما أشبه ذلك37.

"ويُقال أيضا واحد بالعدد ﻟما لا ينقسم ؛ كالنقطة38 ، والوحدة ، والآن من الزمان ، ومبدأ الحركة39.

"ويُقال أيضا واحد بالعدد40 للأشياء التي القول الدالّ على ماهيّتها واحد ؛ كالثَمول والخمر ، والحمار والعير ، والجَمَل والبعير41 . [...]42

"وأيضا ، فإنك تركتَ أن تقسم الواحد والكثرة على ضرب آخر من القسمة : إما


32) راجع "التوحيد" رقم 243 – 249 .
33) راجع "التوحيد" رقم 151 . وقد استعمل يحيى نفس الأمثلة في كتابه في "تبيين غلط محمد بن هارون المعروف بابي عيسى الوراق ، عما ذكره في كتابه في الرد على الثلاث فرق من النصارى" (رقم 102 من لائحة مؤلفات يحيى التي ذكرناها في الفصل الثالث) . راجع مخطوط باريس عربي 167 ورقة 3 ﺠ .
34) أثبتنا هنا رواية مخطوط باريس عربي 169 ، بينما
PERIER فضّل رواية مخطوط الفاتيكان عربي 127 ، وهي : "أقسام" .
35) راجع "التوحيد" رقم 152 .
36) تضيف المخطوطتان والطبعة : "إما" . ولكن هذا لا يتماشى مع ما جاء في الفقرتين التاليتين .
37) راجع "التوحيد" رقم 153 – 159 .
38) في الطبعة : "كالنقط" .
39) راجع "التوحيد" رقم 162 – 170 .
40) أضفنا كلمة "بالعدد" ، لأن هذه القسمة ما هي إلا "الواحد بالحد" ، الذي هو قسم من "الواحد بالعدد" ، مثل "الواحد كالمتصل" و "الواحد غير المنقسم" . راجع "التوحيد" رقم 152 (و 153 و 160 و 162) .
41) راجع "التوحيد" رقم 160 – 161 (الواحد بالحد) .
42) نترك هناستة سطور (ص 12/16 – 21) يوضح فيها يحيى أن توحيد النصارى يعتمد على هذا الضرب الأخير من ضروب الواحد بالعدد . وسنعود إلى ذكرها فيما بعد .