١١٦ الفصل الثامن

ثم قال : "فعلى أي وجه تصفون أن الله واحد ، من هذه الوجوه التي52 ذكرناها في موضعها53: في الجنس ، أم في النوع ، أو في العدد542 ؟"55.

فيبحث عندئذ أبو رائطة كل واحد من الاحتمالات الثلاثة ، ويرد عليها . إلا أنه لم يُضف قسمة أخرى للواحد ، وإنما جمع بين الواحد بالنوع (= جوهر) والواحد في العدد (= أقانيم) .

فترى أن قسمة أبي رائطة للواحد هي هي قسمة أبي يوسف يعقوب الكندي ، فيلسوف العرب ، الذي عاش بعده بنحو أربعين سنة .

* * *

فمن هنا يتضح ميزة "المقالة في التوحيد" : إنها أول بحث شافٍ كامل في وحدانية الخالق ، في تاريخ الفكر العربي .


52) في الطبعة : "الذي" .
53) في الطبعة : "موضع ذلك" .
54) في الطبعة : "العد" .
55) راجع حاشية 51 ، هنا ص 6/1 – 2 .
  ١١٧

الفصل التاسع

مكانة "المقالة في التوحيد" في فكر يحيى بن عدي

أولا – أهمية "المقالة في التوحيد"
في تطور فكر يحيى بن عدي

1 – مقالتنا وردّ يحيى على الكندي وعلى أبي عيسى الورّاق

لقد رأينا في الفصل السابق1 أن يحيى كرّر الآراء الأساسية التي كان قد عرضها في مقالته في التوحيد . وذلك بعد نحو 22 سنة ، إذ أن "المقالة في التوحيد" مُنشَأة في رجب 328ﻫ (= ابريل أو مايو 940 م) ، بينما "الردّ على الكندي" في رمضان 350ﻫ (= أكتوبر أو نوفمبر 961 م) ، عندما كان يحيى قد بلغ 68 سنة من عمره !

كما أنه عاد إلى تحليل معاني الواحد الستّة ، في ردّه على أبي عيسى الورّاق2. وذكر ، في نفس الرد ، الثلاثية "جوّاد وحكيم وقادر" ، في عدة مواضع3. وسنبيّن في بحث آخر ، إن شاء الله ، أن هذا الرد قد ألّفه بين سنة 961 م و969 م .

ومجرد هذا التكرار لآرائه الأساسية ، بعد 22 سنة أو أكثر ، يدلّنا على أهمية "المقالة في التوحيد" ، في نظر مؤلفها . فهي ، وإن كانت باكورة إنتاج يحيى الفلسفي4 ، إلا أنها كالأساس الذي سيبني عليه يحيى ، فيما بعد ، طريقته (système) الفلسفية .


1) راجع ص 112 – 114 .
2) راجع جراف ، "فلسفة يحيى ولاهوته" ص 15 – 16 .
3) راجع "تبيين غلط محمد بن هارون ، المعروف بأبي عيسى الوراق ، الخ" (انظر ص 53 رقم 103 من قائمة مؤلفات يحيى) . راجع مثلا مخطوط باريس عربي 167 ورقة 5 ظ (انظر
PERIER ص 155 – 156) و 90 ظ – 91 ﺠ (انظر PERIER ص 139 – 140 حاشية 5) .
4) إن "المقالة في التوحيد" أول مؤلف مؤرخ ليحيى بن عدي ، كما رأينا في القسم الخامس من الفصل الأول (راجع ص 34) . وكان يحيى في السابعة والأربعين من عمره . وفي اعتقادنا أن هذه المقالة تفتتح الفترة الثانية من حياته الذهنية ، فترة الإنتاج الشخصي . أما الفترة الأولى ، فهي فترة نقل وتفسير لمؤلفات أرسطو ومدرسته .