١١٨ الفصل التاسع

2 – مقالتنا والمقالة في وجوب التأنس

وقد ذكر يحيى هذه المقالة بعنوانها مرة وحدة ، في مؤلف آخر غير مؤرخ ، هو "المقالة في وجوب5 التأنس" ، حيث قال : "وإذ قد وضّح أن ماهية العلم إنما هي حصول المعلوم في ذات العالِم ؛ وكان قد تبيّن ، في مقالتنا في التوحيد ، أن البارئ (عزّ وجلّ) عالِمٌ بخلائقه ، فهو إذن متصورٌ بصُوَرها"6.

وهذه إشارة إلى ما جاء في الفصل الحادي عشر من "المقالة في التوحيد" ، عند الكلام عن حكمة العلة الأولى7.

3 – مقالتنا والجواب على مسألة ابن داديشوع الأولى

وسيعود إلى دراسة هذه النقطة (أعني علم البارئ بخلائقه) في جوابه عن المسألة الأولى التي سأل عنه صديقُه أبو علي سعيد بن داديشوع ، في ذي القعدة من سنة 358ﻫ (= سبتمبر أو أكتوبر 969 م) ، أي بعد ثلاثين سنة تقريبا8. وهذا السؤال يحتوي على أربعة أسئلة فرعية ، نذكر بعض الفقرات منها ، ونقارنها مع مقالتنا في التوحيد .

* * *
يقول يحيى ، في الرد على السؤال الفرعي الأول : "أما الجواب على "هل يعلم البارئ (عزّ وجلّ) الجزئيات ، أو لا يعلمها ؟" ، فهو أنه يعلمها" . ثم يبرر يحيى رأيه قائلا9:

ولما كان وجود الخلائق ليس هو وجودا كيف
ما اتفق ، بل وجودها على غاية الإتقان
  والدليل على ذلك أن البارئ
(عز وجل) حكيم . والدليل

5) وقد سماها PERIER ، اتباعا لبعض المخطوطات : "مقالة في وجود التأنس" . راجع "مقالات يحيى بن عدي" ص 69 .
6) راجع "مقالات يحيى بن عدي" ص 82/8 – 83/2 .
7) راجع "التوحيد" رقم 366 – 370 .
8) وقد أعددنا هذا النص (رقم 111 من لائحتنا المنشورة في الفصل الثالث ص 54) اعتمادا على مخطوط البطريركية القبطية بالقاهرة ، رقم 177 لاهوت (نسخ قبطي من القرن التاسع عشر) ورقة 63 ﺠ - 71 ظ . كما أعددنا أيضا مختصر هذا النص ، الذي وضعه صفي الدولة أبو الفضائل ابن العسال ، اعتمادا على مخطوط الفاتيكان عربي 134 ومخطوط ميونيخ عربي 948 (وكلاهما من القرن الثالث عشر) . ونعتمد هنا على النص الكامل ، لا على المختصر .
9) نص "الرد على أسئلة ابن داديشوع" على العمود اليسار . ويقابله نص "المقالة في التوحيد" (عمود اليمين) .
مكانة "المقالة في التوحيد" في فكر يحيى بن عدي ١١٩
والإحكام ، وآثار القصد والحكمة
فيها ظاهرة بيّنة للعيان .
 
على أنه حكيم ما هو ظاهر للعيان
من آيات حكمته في خلائقه .
فإن جوهر كل واحدٍ من
أجزاء كل واحد من
المخلوقات
وعددها ومقاديرها ،
وأشكالها ونسبها ،

 
فإنه ، إذا تُصفح كل واحد
واحد منها ، وُجد جوهره
وأجزاؤه في جواهرها ،
ومقداره ومقدارها ،
وشكله وشكل كل واحد
واحد منها ،
ووضعها وترتيبها ،
ونصيبها وما يوجد لها ،
وأماكنها وأزمانها ،
وأفعالها وانفعالاتها ،
وبالجملة جميع لَواحقِها
ولوازمها الذاتية لها ،
هي على أفضل ما يكون من التهيؤ للتأدية إلى أغراضها
المقصود بها إليها .
 
ووضعه ،
 
 
 
واتصاله بما يتصل
به منها ،
موافقا ملائما
للغرض
المقصود به إليه .
على ما بيّن ذلك ،
على التفصيل والتحصيل ،
الفلاسفة من اليونانيين ،
والآخذون عنهم من المُحدثين ،
في كتبهم .
ويُغنينا قربُ تناول ذلك
على مؤثري معرفته ،
عن إطالة المقالة بإعادته فيها .
 
وقد بيّن

جالينوس ذلك في الإنسان ،

في كتابه في "منافع الأعضاء" ،
بيانا يُغنينا

عن إطالة هذا الكلام بذكره ،
لسهولة تناوله على من يُريد معرفتَه10.


10) "الرد على أسئلة ابن داديشوع" (راجع حاشية 8) ورقة 63 ظ .