١٢٨ الفصل التاسع

بثلاثية يحيى .

بل إنّا نجد ، بين مؤلفات القديس يوحنا الدمشقي ، في المقالة الخامسة من كتابه المعروف بكتاب "المئة مقالة"50 ، الذي ترجمه في القرن العاشر الميلادي أنبا أنطونيوس رئيس دير مار سمعان العمودي (بالقرب من انطاكية51 ثلاثية يحيى بن عدي عينها . فيقول : "إن الله كامل وبلا عيب ، من جهة الجود والحكمة والقدر"52. وجدير بالذكر أن القديس يوحنا يذكر 38 مرة ديونيسيوس الأريوفاجي في هذا الكتاب53 ، وديونيسيوس قد تأثر كثيرا بيرقلس .


: . وقال ENDRESS (ص 73)
“The Procline doctrine reappears in Ps.-Dionysius Areopagita, whose influence on Yahyā ibn ‘Adi deserves further investigation”.
50) كتاب "المائة مقالة" هو كتاب "التوضيح الصريح للإيمان القويم"
Εκδοσις ακριβης της ορθοδόξου πιστεως المعروف في الغرب باسم Expositio Fidei أو De Fide Orthodoxa وقد ذكر جراف (ج 2 ص 43 – 44 رقم 5) المخطوطات العربية لهذا الكتاب .
51) بخصوص هذا المترجم ، راجع جراف ج 2 ص 41 – 45 . وهو يعتمد على حاشية من مخطوط الفاتيكان ، عربي 436 ، للاستدلال على أنه عاش قبل سنة 379ﻫ/989 – 990م . وبالحقيقة ، إن هذه الحاشية (الموجودة في ورقة 227ﺠ) لا تقول ذلك . وإنما تثبت أنه عاش قبل سنة 610ﻫ ، أي 1213 – 1214م . والموضوع ما زال في حاجة إلى بحث .
52) راجع
Bonifatius KOTTER, Die Schriften des Johannes von Damaskus, band 2, coll. Patristische Texte und Studien, Band 12 (Berlin - New York 1973), p. 14 § 2 = Expositio Fidei 5, 13 - 15: Το θειον τέλειόν εστι και ανελλιπες, κατα τε αγαθότητα, κατα τε σοφιαν, κατα τε δύναμιν,...
وها هي ترجمة الأنبا أنطوني ، كما جاءت في مخطوط الفاتيكان ، عربي 436 (منسوخ سنة 1581م) ورقة 103 ظ : "الإله ، على ما يليق بوصفه ، هو كامل ، عديم أن يكون نقصا ، في صلاحه ، في حكمته ، في قدرته ، عديم أن يكون مبتدئا ، أو منقضيا ، أزلي ..." وبعد بضعة أسطر : "لأنه ، إن نقص عن الحد الكامل ، إما في خيريته ، [و] إما في قدرته ، وإما في حكمته ، ..." (نشكر الأخ ميخائيل أبرص الذي نقل لنا هذه السطور ، بناء على طلبنا) . فهي نفس الثلاثية ، إلا أن لفظ άγαθότητα مترجم هنا بصلاح أو بخيرية ، وعند يحيى بن عدي بكلمة "جود" .
53) راجع
KOTTER (الحاشية السابقة) ص XXVIII .
مكانة "المقالة في التوحيد" في فكر يحيى بن عدي ١٢٩

لا نقصد من هذه المقارنة أن يحيى أخذ هذه النظرية عن يوحنا الدمشقي ، ولا أنه قرأه . وإنما نقصد أن هذه الثلاثية كانت معروفة قبل يحيى ، وأن أصلها فلسفة برقلس . ومن المحتمل أن تكون هذه الثلاثية قد انتشرت عن طريق المؤلفات المنحولة إلى ديونيسيوس الأريوفاجي في نهاية القرن الخامس .

3 – تطور نظرية يحيى في الثالوث

إلا أن يحيى بن عدي نفسه قد غيّر موقفه ، في نهاية حياته . فالثلاثية التي ذكرناها (الله جوّاد حكيم قدير) عن "المقالة في التوحيد" المنشأة سنة 940 م ، هي التي نجدها دائما في مؤلفاته الأولى ، حتى سنة 965 م تقريبا .

وكذلك ختم مقالاته عادة ، في هذه الفترة من حياته ، بقوله : "ولله ، ذي الجُود والحكمة والحَوْل ، وليّ العدل ، وواهب العقل ، الحمد والشكر دائما ...54

أما في المرحلة الأخيرة من حياته (ابتداء من سنة 969 م ، وربما قبل ذلك التاريخ) ، فقد ترك يحيى هذه الثلاثية ، ولن يستعملها ، لا في عرضه للثالوث ، ولا في ختام مقالاته . وذلك أنه اكتشف نظرية تتفق ونظامه الفلسفي وطريقته الأرسطوطالية ، وهي أن الله "عقلٌ عاقلٌ معقول"55.
فالنظرية الأولى (جوّاد حكيم قادر) مأخوذة من فلسفة برقلس الأفلاطوني ، إلا أن كتابه كان يُنسَب عند العرب إلى أرسطو . وأغلب الظن أن يحيى شعر بأن هذه النظرية لا تتماشى تماما وبقيّة طريقة أرسطو . فبحث عن ثلاثية أخرى ، حتى توصّل إلى نظريته المشهورة ، التي عُرف بها : الله عقل عاقل معقول ، وقد اقتبسها من تعليم أرسطوطاليس56.

رابعا – هل "التوحيد" مقالة كلامية ؟

احتار الباحثون في تدوين "المقالة في التوحيد" . أهي فلسفية أم لاهوتية ؟ فقد سجّلها مثلا أندرس بين المؤلفات الفلسفية ، في قسم "ما بعد الطبيعة"57 ؛ لكنه سجّل ملحق


54) راجع مثلا "التوحيد" رقم 378 – 379 .
55) بخصوص نظرية يحيى بن عدي المشهورة ، عن الثالوث المقدس كعقل عاقل معقول ، راجع جراف "فلسفة يحيى ولاهةته" ص 24 – 28 و
PERIER ص 160 – 167 .
56) إن ما كتبناه في هذه الصفحة خلاصة أبحاث لم تنشر بعد . ومن المستحيل الدلالة على ما قلنا ، في إطار هذه المقدمة . وسننشر فيما بعد ، إن شاء الله ، مقالة نبرهن فيها على كل ما جاء في هذه الصفحة .
57) راجع
ENDRESS ص 71 – 73 رقم 5/31 .