١٤٨ الفصل العاشر

2 – وقد وضع علم الرئاسة ابن كاتب قيصر مختصرا لجواب يحيى بن عدي على أبي عيسى الورّاق ، كما أشرنا سابقا78 . واعتمد عليه أبو إسحق ابن العسال ، ابتداء من الجزء الثني من "مجموع أصول الدين" ، على ما صرّح به في ملاحظة وضعها في مطلع هذا الجزء ، قال79:

وكل ما80 يرد81 في هذا الكتاب82 ، من ردّ أبي عيسى الورّاق وجواب يحيى ابن عدي عنه83 ، جميعه من مختصر اختصره الأجلّ عَلَم الرئاسة بن كاتب قيصر ، من كتاب أصل الرد والجواب . والأعداد التي84 عليه هي أعداد المختصر ، لا كتاب الأصل" .

3 – ويفتتح أبو إسحق ابن العسال الباب السادس عشر من "مجموعه" (وعنوانه: "تفصيل المعاني التي يُقال عليها لفظة الواحد ...") بنصّ85 اقتبسه من جواب يحيى ابن عدي على أبي عيسى الورّاق ، عن معنى القديم والجوهر والواحد ، افتتح به يحيى جوابه86.

4 – وتجد هذا النص عن معنى الواحد ، مختصرا أيضا ، في مخطوط فريد منسوخ سنة 1260م ، يبدو أنه من تأليف الصفي ابن العسال . وهو عبارة عن مختصر ثانٍ لجواب يحيى على أبي عيسى الوراق . وهذا المختصر يختلف عن مختصر ابن كاتب قيصر . أما النص الخاص بمعنى الواحد وأقسامه ، فهو موجود في ورقة 2 ﺠ إلى 3 ﺠ 11 من مخطوط الفاتيكان رقم 115 عربي .


78) راجع الحاشية 23 من هذا الفصل (ص 139) .
79) راجع مخطوط الفاتيكان (= ف) رقم 103 عربي (القرن 13) ورقة 172 ظ 5 – 12 ، ومخطوط باريس (= ب) رقم 200 عربي (القرن 16) ورقة 177 ظ 3 – 6 .
80) ف : وكلما (عوض : وكل ما) .
81) ب : ورد .
82) مخطوط باريس : "فيه" (أي "في الجزء الثاني") عوض "في هذا الكتاب" .
83) ب : سقطت كلمة "عنه" .
84) ب : أضاف "هي" .
85) راجع عن معنى الواحد : مخطوط باريس ورقة 118 ﺠ 2 – 119 ﺠ 18 ، ومخطوط الفاتيكان ورقة 173 ﺠ 6 – 175 ظ 3 .
86) راجع مخطوط باريس رقم 167 عربي (تاريخه 1227م) ورقة 3 ﺠ - 3 ظ .
يحيى بن عدي ومقالته في التوحيد في الفكر العربي ١٤٩

5 – أما شمس الرئاسة أبو البركات ابن كَبَر ، فقد نقل مختصر ابن كاتب قيصر لجواب يحيى على أبي عيسى الورّاق ، دون الإشارة إلى مصدره87 . ويبدو لي أنه نقل هذه الصفحات ، لا من الأصل أو من مختصر ابن كاتب قيصر رأسا ، وإنما عن "مجموع أصول الدين" ، إذ يبدأ وينتهي في نفس المكان .

6 – وأخيرا ، أسعدني الحظ ، فوجدتُ جزءا من "المقالة في التوحيد" مقتطفا في مخطوط قديم ، قبطي الأصل ، يرجع إلى القرن الرابع عشر88. وكان قد ذكره جراف ، في سطر واحد ، ضمن المؤلفين الملكيين89.

وهاتان الورقتان تناسبان رقم 148 – 191 من المقالة في التوحيد . وجدير بالذكر أنّا نجد فيهما النص الكامل للمقالة ، لا المختصر . وعلى هذا ، فهو أقدم مخطوط معروف للمقالة في التوحيد ، يتفوّق المخطوطات الأخرى في القِدَم بنحو ثلاثة قرون . إلا أن النص مبتور ، إذ تنقص المخطوط صفحات .

الخلاصة

هذه الجولة السريعة في رياض الفكر العربي الوسيط (من نهاية القرن العاشر ، إلى بداية القرن الرابع عشر) أبرزت لنا أهمية يحيى بن عدي ، لا سيما عند المسيحيين .

وقد نال حظوة عند الأقباط خصوصا ، حتى أن مؤتمن الدولة أبا إسحق ابن العسال ذكره قائلا : "الشيخ الأجل ، العالم الفاضل العلاّمة ، حُجّة دين النصرانية ، برهان النحلة اليعقوبية ، يحيى بن عدي"90. ذلك لأنه "قد استعمل عقله في فحص الأمور الدقيقة ، للتوصل إلى معرفة الحقيقة . فلم يرتكن على الأوهام ، ولم يقنع بالقليل من العلوم" ، حسب تعبير جرجس فيلوثاوس عَوَض91.


87) راجع "مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة" لأبي البركات ابن كبر ، الباب الأول (طبعة الأب سمير خليل ، مكتبة الكاروز بالقاهرة ، 1971) ص 12 – 13 .
88) راجع مخطوط الفاتيكان رقم 111 عربي ، ورقة 160 ﺠ 15 – 161 ظ 21 .
89) راجع جراف ، ج 2 ، ص 90 سطر 19 .
90) ذكر ذلك جرجس فيلوثاوس عوض ، في مقدمته لكتاب "تهذيب الأخلاق" (القاهرة 1630 ش/1913م) ص 9 ، دون ذكر مرجعه . وهذه العبارة منقولة حرفيّا من الباب الأول من "مجموع أصول الدين" ، الذي طبعه وترجمه جورج جراف . راجع
Georg GRAF, Das Schriftstellerverzeichnis des 'Abû Ishāq ibn al-‘Assāl, in Oriens Christianus, N.S. 2 (1912), p. 205-226 (ici p. 212 / 14-16).
91) المرجع السابق (أي كتاب جرجس فيلوثاوس عوض) ، ص 9 – 10 .