١٥٠ الفصل العاشر

خاتمة البحث

1 – يحيى بن عدي "أوحد دهره"

أصحيح أن يحيى بن عدي كان "أوحد دهره" ، وأن "إليه انتهت رئاسة المنطق في عصره" ، على ما ذكر ابن النديم صديقُه ومعاصره ؟

مع العلم أن هذا العصر هو عصر النهضة العباسية الكبرى ، عصر الفلسفة والطب والعلوم العربية ، عصرٌ نضج فيه العقل عند العرب . وأن هذا العصر هو عصر الفاربي (ت 951 م) والمسعودي (ت 954 م) ، عصر المتنبي (ت 965 م) وأبي فراس (ت 967 م) ، عصر الجرجاني (ت 976 م) وابن العميد (ت 976م) ، عصر ابن النديم (ت 990 م) وغيرهم من أئمة الفكر العربي !

أصحيح هذا ، أم اختفى اسم يحيى ودثر ؟

2 – استمرار فكر يحيى وانتشار مؤلفاته

إن ما ذكرناه في الفصل العاشر أدل دليل على استمرار فكره في العصور الوسطى ، حتى منتصف القرن الرابع عشر .

أما بعد هذا القرن ، فلم يزل اسمه يردّد ، وتآليفه تُنقَل وتلخّص وتُفسّر ، على مدى القرون .

وإذا تصفّحتَ كتاب المستشرق أندرس ENDRESS عن مؤلفات يحيى ، حيث ذكر المؤلف لكل تأليف المخطوطات التي أوصلته لنا ، علمتَ درجة هذا الفيلسوف من العلم ، ومرتبته من الحكمة ، ومدى أهميته .

فمؤلفات يحيى محفوظة في شتى مكتبات العالم العربي (في بيروت وحلب ودمشق ودير الشرفة والقاهرة والقدس الشريف)1 ، وفي عواصم العالم الإسلامي غير العربي (في اصفهان واسطنبول وطهران) . بل نجدها في الهند (في حيدرآباد وبطنة PATNA وكلكوتا CALCUTTA ، وحتى في الاتحاد السوفياتي) في مدينة طشقنط TASKENT .

أما في الغرب ، فلدينا مخطوطات ليحيى بن عدي في شتى المدن : في BIRMIN-


1) ولم نجد إلى الآن ذكراً لمخطوطات له في العراق وطنه !
يحيى بن عدي ومقالته في التوحيد في الفكر العربي ١٥١

GHAM و FIRENZE و GOETTINGEN و LEYDE و LONDON و MÜNCHEN و PARIS و VATICANO و WOLFENBÜTTEL .

هذا فيما يخص انتشار مؤلفات يحيى في العالم ، ولا سيما في الأقطار العربية أو الإسلامية . أما إذا نظرتَ إلى تواريخ هذه المخطوطات ، فلا يخلو عصر من العصور (ابتداء من بداية القرن الثالث عشر) من عدة مخطوطات ليحيى بن عدي .

والمقالة التي ننشرها هنا أوضح دليل على ما نقوله . فعلى الرغم من صعوبتها ودقّة معانيها ، أحصينا 12 مخطوطة : 8 منها في الشرق (اثنان في حلب ، وأربعة في القاهرة ، واثنان في طهران) ، و 4 منها في الغرب (واحدة في باريس ، وواحدة في ميونيخ ، واثنان في الفاتيكان) .

3 – شهرة كتاب "تهذيب الأخلاق" ليحيى بن عدي

وهناك دليل آخر ، أوضح من السابق ، يدلّك على استمرار اهتمام المفكرين بيحيى بن عدي ، على ممرّ الأجيال وإلى أيامنا هذه . وهذا الدليل هو ما نلاحظه من أمر كتاب "تهذيب الأخلاق" .

فقد أحصيتُ ، في بحثين سابقين2 ، أربع عشرة طبعة لهذا الكتاب : 6 منها في القاهرة (سنة 1871 و 1907 و 1910 و 1913 و 1914 و 1946) ، و 3 منها في بيروت (سنة 1866 و 1889 و 1897) ، واثنتين في القدس (سنة 1930 و 1934) وواحدة في كل من اسطنبول (1896) ودمشق (1924) وشيكاغو CHICAGO (1928) .

أما مخطوطات "تهذيب الأخلاق" ، فقد أحصيتُ 21 مخطوطة ، ها هي تواريخها (بالتاريخ الميلادي) : 1242 و 1274 و 1301 و 1307 و 1332 ومخطوط من القرن 14 . ثم تختفي المخطوطات لنحو 250 أو 300 سنة ، مناسبة لعصر الانحطاط . ثم 1628 و 1637 وثلاث مخطوطات من القرن 17 ً. ثم 1787 ومخطوط من القرن 18 ً . ثم 1851 و 1881 و 1882 و 1888 و 1903 و 1905 و 1942 (!) ومخطوط من القرن العشرين .

وجدير بالذكر أن هذا الكتاب ، الذي لا يشك أحد اليومَ بنسبته إلى يحيى بن عدي ، قد نُسب في بعض المخطوطات (وبالتالي في بعض الطبعات) إلى حُبَيش بن الأعسم


2) راجع : (1) K. SAMIR. Le Tahdīb al-Ahlāq de Yahyā b. ‘Adi (m. 974) attribué à Ğāhiz et . à Ibn al-‘ Arabi, in Arabica 21 (1974), p. 111-138).
           و(2)
K. SAMIR. Le Tahdīb al-Ahlāq de Yahyā b. ‘Adi (m. 974) attribué à Ğāhiz et . à Ibn al-‘ Arabi, in Arabica 21 (1974), p. 111-138).