٨ عقيدة الثالوث القويمة

أسمى . وبالعكس ـ إذا أردنا أن نتصور وحدة بدون تمييز يكون الفكر مجرد خيال وهمي كالنقطة الهندسية لا مقاس لها بل هي فكر مجرد كالصفر . وقد قال هيجل الفيلسوف الشهير إن كائنا من هذا القبيل هو في الحقيقة غير كائن . وأن الوجود والعدم في هذه الحالة سيان .

فهل ننسب إلى الله أضعف أنواع الوجود وأفرغها دلالة ونقول أنه كائن غير متميز الوحدة ؟ أم نقول عنه أنه أسمى الكائنات وأرفعها وأغناها ؟ ـ فلا شك إذا أن لوحدة الله تناسبا في الجوهر ولكن ليس مع العالم المحدود أو مع كائن آخر خلافه لأن تناسبا كهذا يجعل المخلوق إلها ثانيا فالتناسب الجوهري الأزلي إذا يجب أن يكون داخليا أي ضمن وحدة الله ذاته . وهذه الوحدة يجب أن تكون ذات تنوع وامتيازات لئلا تكون فكرا مجردا . ولا يجب أن الوحدة الإلهية تكون متممة فقط لبعض المقتضيات العقلية من مثل فرض علة مطلقة غير معلولة وهو منتهى ما وصل إليه علم "الكلام" في الدين الإسلامي على ما يظهر .

ونتقدم الآن إلى أبعد من ذلك لنبين كيف أنه بمقدار التمييز أو التنوع في الوحدة تكون تلك الوحدة سامية . وإذا تمكنا من

عقيدة الثالوث القويمة ٩

إثبات هذا نكون قد أثبتنا القول بأن الله الذي هو أسمى الكائنات وحدة هو أسماها أيضا في التنوع الأزلي .

إذا تمعن الإنسان في الطبيعة (التي يجد فيها ظل الله) يرى أن الأشياء التي لا يكون التنوع أو التمييز في وحدتها ساميا لا يكاد يصح أن تنسب إليها وحدة بمعنى الكلمة . خذ الحجرة مثلا . فهي لها وحدة ما لأنها حجرة . ولكن ما أقل قيمة هذه الوحدة ! وإذا رضختها شطرين لا تكون قد مسست وحدتها (إلا بالاعتبار الحسابي) لأنها لا تزال حجرا وإن تكن قد جزأتها إلى شطرين .

ونلتفت الآن إلى الأشياء الحية وهي المعروفة بالمملكة العضوية أو الآلية فنرى الأمور على خلاف عظيم . ولكن هنا أيضا نرى أنه كلما ارتقى التميز أو التنوع كانت الوحدة أسمى.

ولنبدأ بأسفل درجات المملكة الحية ولنأخذ النبات مثلا حيث يكون التنوع على أقله والوحدة بسيطة كوحدة الحجر تقريبا . خذ الطحلب مثلا . فهذا النبات يمكن تقطيعه بدون الحاق ضرر بصفته الجوهرية .

وكلما صعدنا في سلم المملكة النباتية نرى أنه كلما ازداد تنوع الوحدة كان جوهر حقيقتها أسمى أي أننا (أولا) لا يمكننا أن نجزئها