٢٠ عقيدة الثالوث القويمة

الحقيقيين) ولكنهم أنكروا أن مذهبهم يتقضي نسبة جوهر للجنس أي أن الجنس وحدة ذات جوهر . وافلاطون هو الفيلسوف الوحيد الذي ذهب هذا المذهب وقال أن هذه الأجناس كالإنسان والحيوان هي حقائق ذات جوهر وأنها تشغل عالما نموذجيا فائق الإحساس وأنها حقيقة كسائر الأشياء الحقيقية بل أكثر من ذلك لأنها الحقيقة الوحيدة وما الحصان أو الرجل الفرد بالنسبة إليها إلا كظل وهو مدين بما له من الحقيقة لما يمثله ويطابقه في العالم النموذجي الفائق الإحساس ولذلك دعي هؤلاء بالفلاسفة "النموذجيين" .

على أن هذه مباحث فلسفية بعيدة عن غرضنا الآن ولعلنا نجد الاختلافات المشار إليها شديدة التعقيد لا تستحق العناء الكبير . ومع هذا فإن هذه المناقشات قد جرت في سبيلها سيول الدماء ويطول بنا شرح أسباب تلك الشدة وسبب ذكرنا لهذه الأمور إنما هو أن نبين أن الله الذي هو أسمى الحقائق ليس جنسا يشتمل على أنواع على الإطلاق مهما كان المعنى الذي نؤول به "الجنس" بحسب آراء الفلاسفة المذكورين الذين أشرنا إليهم , إلا إذا استثنينا افلاطون وليس عنده ما يعضد أراءه الغريبة التي هي

عقيدة الثالوث القويمة ٢١

خيالية أكثر منه فلسفية فلما كان الله لا مجرد اسم أو فكر ولا جوهرا معنويا بل هو أسمى الحقائق الحية لا يمكن أن يكون الإله "جنسا" وبالنتيجة لا يمكن أن تكون أقانيم الثالوث الأقدس "أفرادا" (أي آلهة) لجنس عام (أي الله) وهكذا تكون تهمة تثليث الاله ساقطة .

(٢) أما الأمر الثاني الذي يظهر لنا فساد الاعتراض فهو أن الجنس (كالإنسان مثلا) مهما بلغت حقيقته من الكمال لا يتأثر أبدا من هلاك فرد من أفراد نوعه الذين يتألف منهم . وبعبارة أخرى إننا يمكننا ملاشاة توما وحسين وحنا وعمروا وزيد وعبيد ومع ذلك يظل الجنس كما كان بدون أقل ضرر يمكن إلحاقه به . وهذا يثبت لنا أن الجنس ليس في الحقيقة وحدة حقيقية حية مرتبطة بوجود أعضائها ولكن هذا ما نراه بكل احترام في وحدة الله الذي هو أسمى كائن حي . فهو واحد في أقانيمه الثلاثة ولا يمكن لأي أقنوم منهم أن يكون منفصلا لأن كلا منهم إنما يوجد متحدا ومرتبطا وكائنا بالآخر . فالآب إذا هو ذات الله الواحد . والابن هو ذات الله الواحد . والروح القدس هو ذات الله الواحد . وبعبارة أخرى أنهم ليسوا ثلاثة آلهة بل هم إله واحد له المجد إلى أبد الآبدين آمين .