٢٢ عقيدة الثالوث القويمة

الاعتراض الخامس والرد عليه

(٥) والاعتراض الأخير هو قولهم أن النتيجة التي وصل النصارى إليها هي أن الآب والابن والروح القدس هم – كل منهم – ذات الله . حسنا ! ولكن هذا يدل على أنه ليس من امتيار حقيقي بين الآب والابن والروح القدس إذ يستحيل أن ننسب إلى أحد هؤلاء الأقانيم شيئا يمتاز به خصوصا . وبعبارة أخرى لا يصح القول بأن أحد هؤلاء الأقانيم يستطيع أن يفعل ما لا يفعله غيره . وهذه الحقيقة تفضي إلى مناقضات عظيمة . كما أوضح ذلك أحد أفاضل المسلمين في كتاب ظهر منذ مدة غير بعيدة .

وهاك ما جاء فيه بهذا الشأن : "واعلم أن قول النصارى أن الله واحد في الذات ثلاثة في الأقانيم محال . لأنهم يعتقدون أن كل أقنوم يمتاز عن الآخر بخواص كثيرة . فالأول يمتاز بخاصة الأبوة والثاني بالبنوة وبالحلول أو التجسد والثالث بالانبثاق . وإن الامتياز بينهم حقيقي بحيث أن ما يثبتونه لأحدهم لا يمكن أن يثبتوه للآخر . إذا عرفت هذا أقول : الشئ الذي به الامتياز إذا ثبت لأحد الأقانيم فهو ثابت لذاته . وإذا ثبت لذاته فهو ثابت لذات الله تعالى . وبما أنه علة للامتياز فلا يمكن أن يثبت للأقنوم الآخر وإذا

عقيدة الثالوث القويمة ٢٣

لم يثبت له لم يثبت لذاته . وإذا لم يثبت لذاته لم يثبت لذات الله . وعليه يكون الشئ الواحد ثابتا للذات وغير ثابت لها . فمثلا إذا قلنا أن الآب حل أو تجسد أي أن ذاته حلت أو تجسدت كانت ذات الله حالة أو متجسدة . ولكن الآب لم يحل ولم يتجسد فذات الله لم تحل ولم تتجسد وعليه تكون ذات الله حالة أو متجسدة وغير حالة ولا متجسدة وهذا تناقض ظاهر البطلان" .

نقول ردا على هذا الاعتراض أننا كثيرا ما نجد مناقضات منطقية عديدة في كلا الماديات والعقليات . كالزمنية والأزلية . والامتداد واللانهائية . وغير ذلك من المناقضات العظيمة المعروفة عند الفلاسفة بالمناقضات العقلية وهي في الحقيقة مما لا يستطاع اجتنابه . فلا يجب أن يتزعزع إيماننا بوجود تناقض ظاهري في عقيدة الثالوث في الوحدة . أو ليس نفس القالب الموضوع به الاعتراض مما يدل على أنه عقيم تافه لا محل له ؟

والغريب أن المؤلف نفسه لا يقدر أن يتنصل من أمثال هذه المناقضات فقد بحث في موضع آخر في تركيب المادة حتى وصل إلى الجوهر الفرد وبحث فيما إذا كان الجوهر الفرد قابلا للتجزئة أم لا وهل له امتداد أم لا . فبعد محاولته أن يثبت أن الجوهر الفرد