- ١٨ -

تدور دواماً بانتظام لا تبتعد عن الطريق المعين لها من يوم خلقتها قيد شبر. أما الآن فقد توسع الناس فى درس علوم الفلك وتوصلوا إلى معرفة نظامها. وهى ما زالت محفوظة بقدرة الخالق. وأن معرقتنا هذه الأجرام ليست متعلقة بمعرفة نظامها ولا تساعدنا فى فهم غرض الله فى خلقها وسنه لها قوانين لا تتعداها. فهل يبررنا عقلنا بعدم الإعتقاد بدوران الأرض حول الشمس لأننا لا نفهم تماماً خاصة حفظ هذه الأجرام لقوانينها وسر الجاذبية فى النظام الشمسى؟

إن فى موجودات الله أسراراً كثيرة غامضة لا يؤمل عقل الإنسان فى هذه الدنيا إدراكها تماماً وعليه فقد أرانا الله أن صفحات كتاب الطبيعة يتضمن أسراراً عديدة غامضة تفوق إدراك عقولنا فلا غرابة أن يكون كلام الله المعلن لنا فى كتابه مملوءاً من الأسرار الغامضة وأن كل شخص لا يصدق أسرار الله المعلنة لعدم فهمه إياها ولا يرغب فى قبول كلامه لما فيه من الأسرار لا يكون إلا جاهلاً شريراً. وإنا نرجو من الله تعالى أن يكون الباحث فى الحق بعيداً عن هذه السخافات.

وليُعرف أن الله العليم الحكيم أعلن فى كلامه بعض الأسرار

- ١٩ -

المتعلقة بذاته المقدسة والواجب على عبيده قبولها والإيمان بها حتى ولو أشكل عليهم فهمها.

وحيث قد بيّنا هذه الحقائق الضرورية فى مقدمة موضوعنا بقى علينا بمشيئة الله ومعونته أن نقدم البرهان من الكتاب المقدس العهدين القديم والجديد على ألوهية المسيح ربنا ووجود الثالوث الأقدس فى وحدة الذات الإلهية. وإذا ظن أحد القراء أنه قد حصل بعض التغيير والتبديل فى العهدين القديم والجديد فإنا نشير عليه أن يتصفح الفصل الأول من الجزء الأول من كتاب ميزان الحق ففيه الكفاية فى الرد على هذه الظنون التى لا أساس لها.

وسيحتوى هذا الكتاب على قسمين رئيسيين نتكلم فى أولهما عن ألوهية المسيح ربنا وفى ثانيهما نوضح بإجمال تعاليم الثالوث الأقدس ونبرهن حقيقتهما ولكن بما أن الله القدير وحده ولا سواه يقدر على تطهير قلب الإنسان النجس وإنارة عقله المظلم فيهبه الفهم الروحى ليدرك به الأمور الروحية ويؤمن بما أعلنه له فى كتابه فنتوسل إليه تعالى بقلوب خاشعة خاضعة أن ينير بصيرة القارئ الكريم ويرشده إلى سواء السبيل.

إنه ليستحيل على الإنسان أن يدرك أعمال الله العظيمة وكلامه