- ٥٢ -

إن المسيح إذ جاء إلى هذا العالم فى هيئة إنسان صار دون الله ولأنه كان منذ الأزل قبل خلق العالم مع الله أبيه فهو معادل له. وكل هذا واضح تمام الإيضاح فيما سبق ذكره من آيات الكتاب المقدس أما تجسده فلم يغير ذاته الإلهية لأن الذات الإلهية بعيده عن كل تغيير وتبديل فالمطلق لم يصر بعد مقيداً أو الضرورى والواجب الوجود اتفاقياً والقديم لم يعد حادثاً أو الباقى فانياً أو الغير محدود محدوداً إذاً فأولئك الذين يعترضون على تجسد المسيح ويقولون أنه مغاير لحقيقة عدم تغير الله كان يجب عليهم بالأحرى أن يعترضوا على حلول (1) الروح فى الجسد - إن الروح لا تتركب مع الجسد بأن يصير الإثنان واحداً ولا تفقد الروح صفاتها الطبيعية وقت وجودها فى الجسد - كذلك هى الحال فى التجسد إذ أن الذات الإلهية لكلمة الله لم تفقد ولم تبق مركبة مع الذات البشرية عندما تجسد المسيح مع أنه ليس لهذا الإتحاد منتهى - نعم إن الفرق بين الماديات والروحيات عظيم جداً


(1) قد قال بعض المسيحيين أن الحلول نوعان(1) الحلول السريانى- عبارة عن اتحاد الجسمين بحيث يكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر كحلول ماء الورد فى الورد فيسمى السارى والمسرى محلاً (2) الحلول الجوارى عبارة عن كون أحد الجسمين طرفاً للآخر كحلول الماء فى الكوز.

- ٥٣ -

ولكننا نعرف أنه يمكن أن يتحد الواحد مع الآخر كما هى الحالة مع كل منا - إن الروح تتحد مع الجسد ولكننا نجهل كل الجهل معنى هذا الإتحاد وعلى هذا النمط يصعب جداً للعقل البشرى المحدود أن يدرك الطريقة التى اتحدت بها الذات الإلهية والذات البشرية فى المسيح يسوع - الحق غير محدود فى دائرة إدراكنا ومقدرتنا نحن غير أن البراهين المثبتة لتجسد كلمة الله واضحة تمام الإيضاح فى الكتاب المقدس فلنكتف بها ولا حاجة بنا إلى سواها.

سأل بعض الناس لم لم يوضح المسيح ألوهيتة ويظهرها جيداًَ حتى لا يلتبس الأمر على أحد ولا يشك أحد بعد؟ ورداً على هذا نذكر لهم الآيات التى قد أوردناها على هذا الموضوع وقد أثبت المسيح ألوهيتة ليس فقط فى آية واحدة ولكن فى آيات كثيرة ومن يطالع الإنجيل بعيداً عن الغرض والتعصب مصلياً لله بغيرة طالباً إرشاده فلا يبقى فى مخيلته شك ما فى هذا الموضوع.

ولله در جلال الدين الرومى إذ قال فى كتابه المسمى بالمثنوى ما معناه " التعصب غشاء يطمس الفهم وحجاب يعمى الأبصار ".

لو كان المسيح أوضح أقواله أكثر بمئة مرة لما أمكنه أبداً أن يقنع أولئك الذين لا يرغبون فى الإيمان خوفاً من أن يصيروا تلاميذاً