- ٥٦ -

صعود المسيح بعشرة أيام على تلاميذه. إن ذاك الروح القدس الذى سنتكلم عنه بمشيئة الله بإيضاح أوفى وأتم قد أضاء عقولهم وأرواحهم بنور من السماء فأظهر لهم ما قد خفى عنهم من الحقائق العظيمة التى كانوا يسمعونها ويتعلمونها من المسيح وبقوة ذلك الروح ونعمته عملوا عجائب عظيمة كشفاء المرضى لأن الحواريين كانوا فى مقام الأنبياء وغيرهم من الرسل الإلهيين كما أوضحنا ذلك فى كتاب " ميزان الحق " (1) فكان لهم السلطان أن يعلموا بكل ما علمهم إياه المسيح بقوة الروح القدس وقد جمع كل ما كتبوه فى كتاب العهد الجديد وفيه بينوا أن تعليم ألوهية المسيح هو أساس كل شىء وجوهر المسيحية وسنرى ذلك بأكثر وضوح فى الفصل الثانى بنعمة الله.

الفصل الثانى

شهادة الرسل (الحواريين) للتعليم بألوهية " كلمة الله "

قبل أن نوضح ما قاله الحواريون عن ألوهية كلمة الله يستحسن أن نعرف ماذا عنى المسيح بدعوة نفسه ابن الله وقد ذكر الرسل


(1) الباب الثانى الفصل الثامن. يطلب هذا الكتاب الجليل من إدارة مطبعة النيل المسيحية بشارع المناخ بمصر.

- ٥٧ -

ذلك فى كل رسائلهم ومما يجدر ذكره أن لقباً كهذه يمكن لغافل أو جاهل أو متعصب أن لا يفهمه قط ومما يساعد على سوء التفاهم هذا أن الوثنيين يعتقدون أن لإلهتهم جسماً هيولياً أى مخلوقاً من المادة تتسلط عليها ثورات الغضب والشر ولها زوجات وأطفال ولكن اليهود كما يعرف أهل العلم ليسوا كذلك ففى عصر المسيح لم يعبدوا الأوثان ولم يكونوا مشركين ولم تكن لهم آلهة ذات جسم هيولى مخلوق من المادة. إن تلاميذ المسيح كانوا قبلاً يهوداً خاضعين لناموس موسى وقد احترموا هم والمسيح أيضاً العهد القديم لأنه كلام الله فيصعب جداً لمتعلم عاقل أن يظن أن المسيحيين الأولين قبلوا إيماناً كفرياً يختص بالله أو فكراً أرضياً يختص ببنوة المسيح. إن المسيحيين فى ذلك الزمن بل وفى جميع الأزمنة متفقون مع إخواننا المسلمين فيما يقولون أنه " بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة " ( سورة الأنعام ) - لم يقل المسيحيون أبداً أن المسيح " ولد الله " ( والعياذ بالله من ذلك ) بل قالوا أنه " ابن الله " - لأن قولهم أنه " ابن الله " أقرب للفهم من قولهم أنه " ولد الله " إن المسيح قد دعى ابناً لله فى معنى كلمة الله وهذان اللقبان يظهران ذاته الإلهية ولكن لقب " كلمة الله " هو أفضل فلسفياً من لقب " ابن الله " غير أنه لا يعلمنا