- ٨٠ -

الأمر الثانى أن الإنجيل يذكر أن المسيح جاء وعطش وتعب وتألم بل ومات ولم يعرف الساعة ولا اليوم الذى تكون فيه دينونة العالم ونما فى الحكمة والقامة كسائر البشر وقد صلى لله أبيه وقال عن نفسه أنه وسيط بين الناس والله فكيف يتفق هذا كله مع ما عرف عن الله وصفاته ذلك الإله الحكيم الذى لا يتعب ولا يموت الذى لا يتغير ولا يفوقه أحد فى عظمته وقدرته فكيف تكون للمسيح الذات الإلهية مع وجود الفرق العظيم بين صفاته وصفات الله تعالى؟ فالجواب على هذا لا يحتاج إلى تعب كثير وقد ذكرناه آنفاً. فإن تعاليم يسوع المسيح وتلاميذه هى أنه إذ كان منذ الأزل كلمة الله واحد مع أبيه أخذ هيئة إنسان وهو معصوم من الخطية وصار الإنسان الكامل كما أنه كان الله الكامل أيضاً " فى البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة الله هذا كان فى البدء عند الله. كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء مما كان. . . والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً " ( يوحنا 1 : 1 – 3 و14 ) نعم إن الذات الإلهية لا تموت ولا تعطش ولا تجوع ولا تنمو فى الحكمة ولكن كل هذا من حيثية الإنسانية ولكن لكى يتألم المسيح ويموت من أجل خطايا العالم للكفارة

- ٨١ -

عن خطايا جميع الناس وفتح أبواب الملكوت أمامهم. تجسد وأخذ طبيعتنا فبالطبيعة الإنسانية أكل المسيح وشرب نام وقام تحمل الأتعاب والآلام وتمتع بالأفراح كإنسان وبهذا أظهر صفاته الإنسانية ولذا قال فى الإنجيل أن الآب أرسل الإبن فسمى نفسه ابن الإنسان ( اقرأ يوحنا 5 : 23 و36 و6 : 44 و15 : 36 و12 : 49 و17 : 3 و20 : 21 ) وهكذا ولد المسيح من مريم العذراء وتحمل الآلام وصلب ومات وقام من بين الأموات فى اليوم الثالث ثم صعد إلى السماء ونظرته عيون التلاميذ وهكذا قال يسوع المسيح " لأن أبى أعظم منى " ( يوحنا 14 : 28 ) وقال أيضاً " لأنى قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتى بل مشيئة الذى أرسلنى " ( يوحنا 6 : 38 ) وصار المسيح وسيطاً وشفيعاً لنا فصلى من أجلنا لما كان هنا على الأرض. ويقول كاتب رسالة العبرانيين " وهو حى كل حين يشفع فى الذين يقتربون إلى الله بواسطته " وكل ذلك طبعاً نتيجة اتحاد إنسانيته الكاملة التى بلا عيب مع ذاته الإلهية والصعوبة التى أمامنا الآن تتلاشى عندما نقبل تعاليم المسيح المعلنة لنا فى الإنجيل.

الأمر الثالث اعتراضات البعض بقولهم " كيف يتسنى لله أن يصير إنساناً ويظهر بصفات بشرية. كيف يقوم الحادث مقام القديم