- ١٢٤ -

من كل هذه الآيات المتشابهة نتعلم أن الله القدير الواحد يعلن نفسه ويجرى عظيم أعماله بين خلقه كالحفظ والفداء والتجديد والدينونة والرحمة بواسطة كلمته الأزلية الإبن والروح القدس أيضاً وكما أن الله ذات واحده فله مشيئة واحدة أيضاً متفقه فى سائر أعماله وإن الآب والإبن والروح القدس هم الله الواحد القدير إله العدل والحكمة الذى له المجد والكرامة والملك والحمد إلى الأبد آمين.

وقد قلنا أن العهد القديم لا يوضح تعليم التثليث كما يوضحه لنا العهد الجديد وذلك يدل على أن إعلان الله نفسه كان تدريجياً على قدر طاقة الإنسان وإدراكه وأيضاً لأن الإسرائيلين عاشوا فى الزمن القديم بين الوثنيين واستمروا زماناً طويلاً يميلون إلى عبادة الأصنام والإعتقاد بتعدد الآلهة فلو كان الله أعلن لهم تعليم الثالوث الأقدس قديماً قبل مجىء الميسيح لأساءوا الفهم وعبدوا ثلاثة آلهة فالله من حكمته الواسعة لم يعلن هذا التعليم صريحاً فى العهد القديم غير أنه وجد شىء ليس بالقليل لا يمكن فهمه على حدة بدون تعليم العهد الجديد وقد ذكرنا فى الباب الأول من هذا الكتاب جملة آيات من هذا العهد

- ١٢٥ -

تثبت لنا ألوهية مسيا المنتظر ولكن توجد أيات أخرى أيضاً تظهر لنا تعدد الأقانيم فى وحدة الذات الإلهية.

ومن بين هذه الآيات توجد آيات ذكر فيها الضمير أو الفعل جمعاً مشيراً إلى الله سبحانه وتعالى ففى ( التكوين 1 : 26 ) يقول " نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا " ثم فى عدد 27 يستعمل المفرد بدل الجمع فيقول " خلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه " وفى ( تكوين 3 : 22 ) قال الله لآدم بعد أن أكل من الشجرة المنهى عنها وعرف الشر من الخير " هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر " وقال أيضاً عند بناء برج بابل " هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم " ( تكوين 11 : 7 ) وهذا القول مشابه تمام المشابهة لأقوال المسيح إذ قال " إن أحبنى أحد يحفظ كلامى ويحبه أبى وإليه نأتى وعنده نصنع منزلاً " (يوحنا 14 : 23 ).

ومن أهم الآيات التى جاءت فى العهد القديم عن ذلك السر العظيم سر الثالوث المقدس فى وحدة الذات الإلهية ما يأتى

(أولاً) الآيات التى فيها أمر الله موسى أن يكلم هرون وبنيه بالكلام الذى يجب عليهم أن يباركوا به بنى اسرائيل " وكلم الرب موسى قائلاً كلم هرون وبنيه قائلاً هكذا تباركون بنى اسرائيل قائلين لهم