- ١٢٨ -

أما عقلنا فهو قادر فقط أن يرشدنا لنقبل ما هو حق وما أعلنه الإله الحق يرشدنا أن نعلم أن ليس إله إلا واحد وأن فى الوحدة الإلهية ثلاثة أقانيم وهم الآب والإبن والروح القدس ولا تستحوزن علينا الغرابة إذ لم يمكننا أن نسبر هذه الأسرار لأن الله عليم يزن الأشياء بميزان العلم والمعرفة وهو نفسه لا يمكن أن يُعرف هو الحكيم ومن فرط حكمته المتناهية تظهر حكمة الإنسان كأنها نقطة من بحر أمام تلك الحكمة الواسعة وما إدراك الإنسان الروحى إلا ذرة من بهاء مجده الساطع الذى يفوق كل وصف.

وإن كنا نجد صعوبة فى توضيح تعليم الثالوث توضيحاً تاماً ولكننا نأمل بإرشاد روح الله أن نوضح ذلك فى الفصل الثانى حتى يفهم أولئك الذين يفتشون عن الحق ذلك التعليم الذى أعلنه الله فى كتابه والذى لا يناقض العقل أبداً وإن كنا لا نقدر على إدراكه لضعف عقولنا ولا نقدر أن نفهمه من تلقاء أنفسنا لو لم يعلنه الله لنا.


الفصل الثانى

فى بعض الإيضاحات المختصة بهذا السر الإلهى سر الثالوث الأقدس

بعد كل ما ذكرناه من الآيات المختصة بتعليم الثالوث فى الفصل السابق وجب على كل إنسان يؤمن بكلام الله أن يقبل أن فى وحدة

- ١٢٩ -

الذات الإلهية ثلاثة أقانيم ولكن يوجد كثيرون لا يؤمنون بالكتاب المقدس ولهذا يرفضون تعاليمه أولئك الذين أعماهم التعصب الناتج من عدم فهمهم هذا التعليم فقالوا أنه محض افتراء منا مناقض للعقل ولكننا سنوضح بمشيئة الله فى هذا الفصل أن هذا التعليم عندما يفهم لا يكون بعدئذ مناقضاً للعقل لأن العقل يحتاج إلى تعاليم كهذه تنزع من أمامه الصعوبات التى تعترضه فى سبيل الإيمان بوحدة الله فيصبح الإنسان قادراً أن يحصل على معرفة الله معرفة حقيقية شخصية إذ لا دين ولا تقوى بدون هذه المعرفة.

فمن الاعتراضات التى قامت ضد هذا التعليم قول البعض " كيف يكون فى الذات الإلهية الواحدة ثلاثة أقانيم مع وجوب التميز بين كل منها وكيف يكون فى الأحدية جمع".

ورداً على هذا الإعتراض نزيد على ما ذكر بعض الإيضاحات لنظهر أن لا اختلاف ولا تناقض فى تعليم الثالوث فى الوحدة ورغبتنا الشديدة أن يتتبع حضرات القراء الكرام بكل روية وإمعان كل ما يقال فى هذه العجالة قبل أن يبتوا فى هذا الموضوع ولنا ملء الثقة أنهم بذلك وبطلب الإرشاد من الله الرحيم يعلمون ويؤمنون بصحة تعليم الكتاب المقدس عن ذات الله.