- ١٣٠ -

وسنرى نحن فى طريق بحثنا أن ما يزعمه البعض بأن المسيحيين يؤمنون بثلاثة أقانيم هى ثلاثة وحدات عددية منفصلة عن بعضها إن هذا الزعم مناقض لتعاليم المسيحية كل التناقض.

نعم لو كنا نعتقد أن الوحدة هى وحدة عددية منفصلة ففى تلك الحالة لا تجتمع الأحدية والجمعية وكذلك لا يوافق تعليم الثالوث الأقدس القول بوحدة الذات الإلهية - لكننا لم ولن نقول بثلاث وحدات عددية منفصلة. إنما هذا الزعم الباطل هو العامل الأقوى فى سوء فهم الغير لتعليم الثالوث الأقدس(1).

ولا يخفى على ذوى الألباب أن الله أعلن نفسه فى أعمال الخليقة وفى كتابه المقدس أيضاً وحيث أن الخليقة صدرت من نفس مصدر الوحى الإلهى فإنها نوعاً ما تشرح معناه لنا كما أنه من الجهة الأخرى يحل الكتاب المقدس بعض ألغاز الطبيعة ( أى الموجودات ) ومن يمعن النظر فى هذه الموجودات ويدرس تأثير الواحدة على الأخرى


(1) قال هيجل وهو أعظم فيلسوف ألمانى " لو فرضنا أنه لا معنى قط فى المعتقد الذى بقى مدة 2000 سنة أقدس معتقد مسيحى ( أى الثالوث الأقدس ) فيكون فى ذلك عجب العجاب " وقد اعتقد هيجل أن ذلك التعليم هو الأساس الجوهرى للديانة.

- ١٣١ -

ويدرس خاصيتها واتحادها مع غيرها يجد سهولة نوعاً ما فى فهم تعليم الكتاب المقدس وعلى هذا المثال تعليم الثالوث فى الوحدة لأننا سنرى فى الخليقة بعض المشابهات بهذا السر العظيم فأعمال الله كلها والأشياء التى صنعها تمثل لنا أفكارالله مسبب الأسباب حتى يراها الإنسان فيدرك بواسطة هذه الأشياء المنظورة ما هو غير منظور أمامه. وكل من يبحث عن الحق يرى أمامه العالم بنظامه العجيب كأنه مدرسة يتعلم فيها مبادئ معرفة العالم الروحىالأبدى ولو لم يسقط الإنسان فى الخطية ويبتعد عن الله ولو لم يكن إدراكه الروحى قد أظلم وضعف لحصل على معرفة حقيقية من جهة نفسه ومن جهة الله بواسطة معرفته العالم ودرس قوانينه. وربما كان لا يعوزنا كلام الله المكتوب لأجل تعليمنا ولكن حالتنا الحاضرة حالة الظلمة التى سقطنا فيها بواسطة الخطية جعلتنا محتاجين كل الحاجة إلى كلام الله المدون ليكون لنا مرشداً وشاهداً على كلمة الله الواحد المتجسد الذى بدونه لا يمكن للإنسان أن يحصل على معرفة ذلك الذى " به نحيا ونتحرك ونوجد " ( أعمال 17 : 28 ).

ولنرجع الآن إلى الطبيعة عمل يدى الخالق ولنظهر منها أن الجمع لا يناقض الوحدة وقبل أن نبسط هذا نرجو من حضرات القراء الكرام أن يتذكروا أننا نسلم بأمرين تمام التسليم (أولهما) أنه