- ١٥٠ -

فى تعاليم الكتاب المختصة بذات الله أمور فوق عقولنا ولكنها ليست مناقضة للعقل أبداً كالنظريات الفلسفية التى نجدها فى كتب الفلاسفة ومن جهة أخرى هل تعليم الكتاب المقدس عن الثالوث فى الوحدة يقودنا أن نعتقد بوحدة الكائنات أو يقودنا إلى مذهب " اللاأدرية " كما تفعل الآراء البشرية التى تجعل عبادة الله سخافة أمام أعيننا لأنه من من الناس يقدر أن يزين الكون كما زينه الله أو يعبد إلهاً مجهولاً ؟ إن عقيدة الحلول تضرب بعصا من حديد على التمييز بين الخير والشر وكذا عقيدة نكران الله وبذلك تمحى الآداب. إن تعليم الثالوث يقود الإنسان إلى معرفة الله بواسطة كلامه وروحه القدوس ويرشده إلى الحق فيكره الخطية ويرغب فى القداسة ويعبد الله بالروح والحق ولا يجعلنا بعد ذلك أن نعتقد فى القضاء والقدر بل يعرف أن كل شىء بمشيئته معمولاً بمشيئة الإله الكلى الحكمة والخير والقداسة والمحبة الآب السماوى إذاً فالحكمة المستمدة من فوق هى الحكمة التى ترشدنا لقبول ما علمنا الله إياه عن ذاته المقدسة والتى تجعلنا أن ننبذ النظريات الفلسفية الأرضية التى لا أساس لها والتى لا يقبلها لا العقل ولا الضمير.

من هنا يتضح لحضرات القراء أنه لم ينجح فيلسوف واحد بما له من الذكاء وقوة الإدراك فى حل ذلك السر العظيم المختص بذات

- ١٥١ -

الله تعالى والجميع قد خابت آمالهم ومجهوداتهم فى الوصول إلى معرفة الله لأن المحدود لا يمكنه أبداً أن يدرك الغير محدود ولا يمكن للإنسان أن يتعلم عن ذات الله إلا ما أعلنه الله فى كتابه وفى ذلك الذى هو كلمة الله المتجسد وكما أن أشعة الشمس لا تحتاج إلى مشعل من نار يزيد نورها كذلك تعاليم الله وكلامه لا يحتاج إلى نظريات الفلاسفة وآراءهم والسبب الذى حدا بنا إلى ذكر بعض أقوال الفلاسفة هو لكى نظهر أنهم شعروا أن الإيمان بوحدة الله المحضة مخالف للعقل فاضطروا أن يسلموا بوجود الكثرة فى الذات الإلهية وليفهم القراء الكرام أن تعليم العهد الجديد لا يخالف العقل ولكنه ضرورى لإرواء ظمإه واشتياقه للمعرفة. والآن لا يجب أن يبقى شك لدى كل مؤمن عاقل يدرس الكتاب بفكر خلو من التعصب فى الإيمان بحقيقة تعليم الثالوث الأقدس خصوصاً إذا كنا نعتبر هذا التعليم واحداً من التعاليم الكثيرة الغير المدركة المعلنة فى الكتاب المقدس. إن كلام الله يظهر لنا أن الله واحد وإن وحدة الذات الإلهية كائنة فى ثلاثة أقانيم متحدة فى الذات والقوة والأبدية وهذه الثلاثة هم الآب والإبن والروح القدس والمسيحيون بقبولهم هذا التعليم يؤمنون بأن المسيح ابن الله المخلص الوحيد والوسيط الواحد هو