٨٦ الفصل السادس

وبالطبع ، لا نشير إلى هذه الإضافات في الحواشي . وبوجه عام ، لا نعتبر إلى "رسم الكلمة" ، بصرف النظر عن النقط والعلامات . نوضح مقصودنا بأمثلة .

إذا كتبنا في المتن "البدء" ، وكان المخطوط قد كتبها "البد" (دون همزة) ، فلا نشير إلى ذلك الفرق في الحاشية ، لأنا لم نغير شيئا في "رسم الكلمة" . أما إذا كتبها المخطوط "البدي" أو "البدو" ، فنشير إلى ذلك في الحاشية ، لأنا غيرنا شيئا في رسم الكلمة .

كذلك ، إذا وجدنا في المخطوط "بارينا" ، فكتبناها في المتن "بارئنا" ، لا نشير إلى هذا التغيير في الحاشية ، لأنا لم نغير رسم الكلمة ، وكذلك إذا استبدلنا "خاطية" ﺒ "خاطئة" . أما إذا وجدنا "خطية" وكتبناها "خطيئة" ، فنشير إلى هذا التغيير ، لأنا أضفنا "سنّة" . وقس على ذلك .

ثانيا – تبليغ القارئ فكر المؤلف ومنطقه

لكل مصنف منطق خاص ، يعبر به عن شخصيته . وهذا المنطق يكشف عن شخصية المؤلف أكثر مما تكشف عنه أفكاره المعبر عنها بوضوح . فعلى المحقق أن يكتشف هذا المنطق المكنون ، ويبرزه للقارئ .

ثم إن لكل عصر طريقة للتعبير عن هذا المنطق تختلف عن طريقة عصر آخر . ومن الضروري "النشر بروح العصر ، وعلى طريقته" ، كما قالت لجنة نشر كتاب "الشفاء" لابن سينا25.

1 – تقسيم النص إلى أقسام ، ووضع العناوين

أ – ضرورة تقسيم النص تقسيما منطقيا

والتعبير العصري عن منطق الكلام يتم بتقسيم النص إلى فصول ، ووضع عناوين رئيسية وثانوية ، ثم تقسيم الفصول إلى فقرات ومقاطع منفصلة ، الخ26.

ولا يظن المحقق المعاصر أنه قد أبدع بدعة إذ فعل ذلك . فقد نهج هذا المنهج بعينه المؤلفون المسيحيون العرب ، منذ أكثر من 700 سنة ! فنرى مثلا مؤتمن الدولة أبا إسحاق ابن العسال (أخا صفي الدولة المذكور في الفصل الخامس) ، صاحب "مجموع أصول


25) راجع حاشية رقم 11 من هذا الفصل . ذكره أيضا صلاح الدين المنجد ص 10 .
26) راجع صلاح الدين المنجد ص 22 : "تقسيم النص وترقيمه" .
منهجنا في تحقيق النص ٨٧

الدين ، ومسموع محصول اليقين" ، عندما يحقق نص إيليا مطران نصيبين عن توحيد النصارى27 ، يقسمه إلى خمسة أقسام ويضيف عناوين من عنده28.

ثم إن كل فقرة يجب أن تقسم إلى جمل . وتقسم كل جملة ، بواسطة النقط والفواصل والإشارات ، على ما يقتضيه المعنى29 ، بطريقة منطقية30.

ب – إهمال هذه المرحلة عادة بسبب صعوبتها

ولا شك أن هذه الخطوة الثانية في تحقيق المخطوطات (أعني : تبليغ القارئ فكر


27) راجع "مجموع أصول الدين" الباب 33 . وقد نشرنا هذا الباب بكامله ، اعتمادا على مخطوطين قبطين : باريس عربي 200 (تاريخه 1613م) ورقة 171 ﺠ - 174 ﺠ ، والقاهرة ، البطريركية القبطية (تاريخه 1834م) ورقة 131 ظ – 133 ظ . وقارنا نص ابن العسال بالأصل (وهو جزء من رسالة إيليا مطران نصيبين إلى لوزير أبي القاسم الحسين ابن علي المغربي) المحفوظ في عائلة سباط في حلب . راجع الأب سمير خليل: "في امتياز السيد المسيح عن سائر الأنبياء" لإيليا النصيبني (سنة 1027م) عن كتاب "مجموع أصول الدين" للمؤتمن ابن العسال" ، في مجلة "صديق الكاهن" ج 15 (1975) ص 173 – 188 ، و 17 (1977) العدد الثاني ص 43 – 55 .
28) قال المؤتمن ابن العسال ، في مقدمة الباب 33 ، بعد ذكر عنوان الباب : "مما نقل (هذا الباب كله) من رسالة عملها إليا مطران نصيبين وأعمالها ، إلى الوزير أبي القاسم الحسين المغربي ، وهذبناها نحن ، وزدناها زيادات لطيفة ، وقسمناها في كتابنا هذا إلى خمسة أقسام : القسم الأول ، إن الله تعالى سماه "كلمته" ، ولم يسم به نبي ولا غيره ..." الخ . ثم يذكر بقية الأقسام الخمسة ، على ما وضعه هو ابن العسال . راجع طبعتنا المذكورة في الحاشية السابقة ، رقم 4 – 6 ، ص 177 – 178 .
29) راجع صلاح الدين المنجد ص 22 – 23 : "النقط والفواصل والإشارات" . إلا أنا لا نوافق المؤلف على عدم تصريح استعمال النقطة مع الفاصلة (؛) ، أو ما نسميه الفاصلة المنقوطة . فهذه الإشارة تعتبر حدا وسطا بين النقطة والفاصلة ، وكثيرا ما تعين على توضيح المعنى . وقد استعملها أئمة المحققين ، أمثال أحمد أمين وعبد الرحمن بدوي وغيرهما .
30) كذلك ، لا نوافق الدكتور صلاح الدين المنجد على استعمال الخطين القصيرين (- -) للتعبير عن الجمل المعترضة ، وإن كان هذا الاستعمال شائعا شرقا وغربا . فهذه الإشارة يدخلها الالتباس ، لسببين : الأول ، أنها لا تميز بين بداية الجملة المعترضة ونهايتها . والثاني ، لأن العادة جرت على عدم كتابة الخط القصير الثاني ، عند انتهاء الجملة ، فيبقى خط قصير واحد ، وإذا عرضت جملة معترضة ثانية ، لا تدري أين المعترضة من الرئيسية . لذلك استعملنا دائما القوسين () للتعبير عن الجملة المعترضة . فهذه الإشارة تدل دلالة تامة على بداية الجملة المعترضة ونهايتها ، كما أنها تسمح لك بوضع جميع علامات الترقيم (حتى النقطة) داخل القوسين ، إذا طالت الجملة المعترضة ، وهذا أمر ممتنع في الخطين القصيرين .