الفصل السابع
خطة "المقالة في التوحيد" ومنطقها وتحليلها
لما كان يحيى بن عدي قد عرف ﺒ "المنطقي" ،
على ما ذكره ابن النديم1 والقفطي2
وابن أبي أصيبعة3 ، فلا بد من أن يكون فكره
مبنيا على المنطق ، وأن يظهر هذا المنطق في مؤلفاته .
ويكفي تصفح أي مقالة من مقالاته ، للاقتناع بهذه الحقيقة
.
وهذا المنطق واضح في "المقالة في التوحيد"
. فنرى يحيى يعرض جميع الآراء ، ثم يحللها رأيا رأيا ،
لاستخلاص الرأي الصحيح وتمييزه عن الآراء الباطلة . كما
أنه يذكر جميع المعاني الممكنة (أو المحتملة) للفظ أو
مفهوم ، وإن كانت شاذة أو سخيفة ، فيثبت استحالة جميعها
ما عدا معنى واحدا ، ثم يثبت ضرورة هذا المعنى . وكذلك
، فإن عباراته تدل على طريقته . فكثيرا ما يقول : "فيجب
ضرورة أن ..." ، أو "لا يخلو أن يكون ..."
، أو "إما ... وإما ..." ، وغير ذلك من أساليب
الفكر المنطقي .
وبناء على ذلك ، لا بد من أن تكون "المقالة في
التوحيد" ، ككل ، مبنية أيضا على بنيان منطقي قوي
واضح . وإن كان يحيى لم يقسم المقالة إلى أبواب وفصول
(وهذه للأسف عادته في الإنشاء)4 ، إلا أنه
أعطانا العناصر الأساسية للقيام بهذا التقسيم .
وقد حاولنا في تحقيقنا اكتشاف هذا المنطق المكنون ،
وتقسيم المقالة وفقا لفكر يحيى بن عدي نفسه ، وآرائه ،
وعقليته ، ومنطقه الخاص .
فسنذكر هنا أولا تلك العناصر المنطقية التي وضعها المؤلف
نفسه في مقالته . ثم نقدم محاولتنا الشخصية لفهم المقالة
وتسلسل الأفكار بها .
|