الفصل الثامن
يحيى والبحث عن معنى التوحيد
"قُلْ هُوَ اللّهُ أحَد ،
اللهُ الصّمَد !
"لَمْ يَلدْ ، وَلَمْ يُولَدْ ،
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَد ! " (سورة الإخلاص)
هذه الآيات ، على إيجازها ، من أجمل ما كُتب عن وحدانية
الخالق . فهل ، يا تُرى ، يعترف بها المسيحيون ؟ هل هم
مُخلصون لله ؟ كيف ، ويقولون بأنه تعالى ثلاثة ! "لقد
كفر اللين قالوا إن اللهَ ثالثُ ثلاثة . وما من إله إلاّ
إلهٌ واحد ! وإن لم ينتهوا عما يقولون ، لَيَمَسّنّ الذين
كفروا منهم عذابٌ أليم ! "1
هل يمكن التوفيق بين التوحيد المحمّدي والتوحيد المسيحي
؟ سؤال طالما شغل بال المفكرين ، أمس واليوم ، بل قبل
الإسلام بقرون .
ولا جدال في أن المسيحيين ، إن سألتهم عن إيمانهم بالله
(عزّ وجلّ) ، لا يشكّون ، ولا طرفة عين ، بأنه تعالى واحد
أحد . ويتساءلون دائما لماذا يشك إخوانهم المسلمون في
توحيدهم . أليسوا يقولون ، عند رسم إشارة الصليب : "باسم
الآب والابن وروح القدس ، إله واحد . آمين" ؟ حتى
أصبحت هذه "شهادتهم" !
1 – الاختلاف في معنى وحدانية الخالق
ولمّا كان المسلمون يشكون في توحيد النصارى ، ويتهمونهم
باستمرار بأنهم غير موحّدين ، بل ذهب بعضهم إلى القول
بأنهم كفّار مشركون ، كان من الضروري تنزيه الدين المسيحي
عن تهمة الشرك ، وتوضيح معنى الثالوث ، وإظهار عدم مناقضته
للتوحيد .
وكثرت المقالات والميامر والبراهين والكتب التي عرضت
ذلك . إلا أن هذه المحاولات ، رغم عمقها وكثرتها ، لم
تُقنع المفكرين المسلمين إلا في النادر ، أو لم يأخذوها
بعين الاعتبار .
|