لا نقصد من هذه المقارنة أن يحيى أخذ هذه النظرية
عن يوحنا الدمشقي ، ولا أنه قرأه . وإنما نقصد أن هذه
الثلاثية كانت معروفة قبل يحيى ، وأن أصلها فلسفة برقلس
. ومن المحتمل أن تكون هذه الثلاثية قد انتشرت عن طريق
المؤلفات المنحولة إلى ديونيسيوس الأريوفاجي في نهاية
القرن الخامس .
3 – تطور نظرية يحيى في الثالوث
إلا أن يحيى بن عدي نفسه قد غيّر موقفه ، في نهاية حياته
. فالثلاثية التي ذكرناها (الله جوّاد حكيم قدير) عن "المقالة
في التوحيد" المنشأة سنة 940 م ، هي التي نجدها دائما
في مؤلفاته الأولى ، حتى سنة 965 م تقريبا .
وكذلك ختم مقالاته عادة ، في هذه الفترة من حياته ،
بقوله : "ولله ، ذي الجُود والحكمة والحَوْل ، وليّ
العدل ، وواهب العقل ، الحمد والشكر دائما ...54
أما في المرحلة الأخيرة من حياته (ابتداء من سنة 969
م ، وربما قبل ذلك التاريخ) ، فقد ترك يحيى هذه الثلاثية
، ولن يستعملها ، لا في عرضه للثالوث ، ولا في ختام مقالاته
. وذلك أنه اكتشف نظرية تتفق ونظامه الفلسفي وطريقته الأرسطوطالية
، وهي أن الله "عقلٌ عاقلٌ معقول"55.
فالنظرية الأولى (جوّاد حكيم قادر) مأخوذة من فلسفة برقلس
الأفلاطوني ، إلا أن كتابه كان يُنسَب عند العرب إلى أرسطو
. وأغلب الظن أن يحيى شعر بأن هذه النظرية لا تتماشى تماما
وبقيّة طريقة أرسطو . فبحث عن ثلاثية أخرى ، حتى توصّل
إلى نظريته المشهورة ، التي عُرف بها : الله عقل عاقل
معقول ، وقد اقتبسها من تعليم أرسطوطاليس56.
رابعا – هل "التوحيد" مقالة كلامية ؟
احتار الباحثون في تدوين "المقالة في التوحيد"
. أهي فلسفية أم لاهوتية ؟ فقد سجّلها مثلا أندرس بين
المؤلفات الفلسفية ، في قسم "ما بعد الطبيعة"57
؛ لكنه سجّل ملحق
|